أتابع ” الاولمبياد ” بشكل دائم فأجد فيه كل مرة دروس جديدة ، بداية من (حفل الافتتاح الذي يزدان دائما بتجمع كل دول العالم – حتى تلك الدول التي لا نجدها على الخارطة – بدياناتها ، وعاداتها ، والوانها ، في ملعب واحد ، لتذوب حينها جميع الفوارق الدينية ، والعرقية ، والثقافية في بسمة واحدة .
ومن يتابع الاولمبياد ” بوعي ” سيجد انه مليء بالدروس ، وعامر بالعبر .. ففي كل مشارك قصة ، وعند كل مشاركة رواية .. وبين هذه المشاركة ، وذاك المشارك ، تتكون دروس من الالهام ، وتتشكل عوالم من التحفيز في قلب المشاهد . تعلمت من الأولمبياد .. بانك لن تصل الى ما تريد الا عبر التمرين الطويل ، والمثابرة على التكرار ، والقتال الشديد اثناء النزال . تعلمت من الاولمبياد .. انه لن ينتصر بعد توفيق الله الا من قد عمل على اقصى طاقته .. ولن يجني الذهب الا من قاتل بكل ما فيه .
تعلمت من الأولمبياد .. ان المنع مرفوض .. فكل مشارك سيلعب مهما كانت جنسيته ، ومهما فعلت سياسة دولته ، فطالما انه قد اجتاز التصفيات فان فرصته في اللعب متاحة ، وسيأخذ حقه كاملا ، فلا واسطة ، ولا محسوبية في الاولمبياد ! . ولقد شعرت كثيرا بالجمال وانا اشاهد جميع الاديان يلعبون مع بعضهم البعض ، وقبل النزال يتصافحون ، وبعد نهايته يتعانقون بدون أي افكار اخرى ، وكأن الاولمبياد يقول لنا : الرياضة تجمع الجميع في سلام ، ووئام . ومن الاشياء التي الهمتني في الاولمبياد مستوى الاتقان العالي ، فلا تُقبل اطلاقا أي حركة ناقصة ، ولا يرضى الحكام بأي خطأ – حتى لو ظننا بانه بسيط – مما جعل المتسابقين يحرصون كل الحرص على محاولة إلغاء الخطأ من قاموسهم .
أيضا مما اعجبني في الاولمبياد ، وضعهم في الاعتبار ( لصيرورة الخطأ ، وضرورة المحاولة ) فلكل لاعب ، او لاعبة ثلاث محاولات ، لكي يجد فرصة للتعويض ، او التحسين . ومن اهم الدروس التي وجدتها ، هي القدرة الهائلة التي تكمن في الانسان كما قال الامام علي بن ابي طالب : وتزعم أنك جرم صغير .. وفيك انطوى العالم الاكبر فلاحظت ان الانسان اذا امن بقدراته ، فانه سيحقق المستحيل ، وهذا يتضح جليا في القوة الرهيبة التي شاهدتها لدى المتنافسين ، حيث رأيت أنهم يخرجون جميع طاقتهم ، ويقاتلون بكل ما فيهم من قوة ، فأثار فيّ هذا طاقة عالية ، وعرفت حينها ان قوة الانسان لا حدود لها .. والمفتاح في ايمانه . وتعلمت أيضا من الاولمبياد ، ان دموع المتنافسين عند الانتصار تقول : ( تعبي لم يذهب سدا ، وقتالي لم يمضي على الفراغ ، واصراري آتى أُكُلَه ) .
ودموع الخاسرين تقول ( قاتلت جدا ، وسأعود مجددا للقتال .. قاتلت وكان الحظ اليوم من نصيب غيري .. قاتلت .. ويوما ما سأحقق المجد .. فالنجاح دائما له فرص أخرى … ) . وفي الحقيقة .. فان من يتابع الاولمبياد ، سيجد ان المتنافسين يحطمون ارقاما لا يكاد يستوعبها العقل ! بل إن بعضهم يعود في اولمبياد آخر ، ليحطم رقمه السابق برقم مدهش جديد . وهذا يبين مدى تطور المتنافسين ، وحرصهم على القتال لآخر لحظة .
حمد عبدالعزيز الكنتي .