المقالات

عَائِدُونَ وَلَيْسُوا نَازِحِينَ

 الهِجْرَةُ والهُجْرَةُ: الخروج من أَرض إِلى أَرض، وعندما يعود المهاجر إلى أرضه يُسمى عائدًا، ويطلق البعض على العودة إلى الأرض”الهجرة المعاكسة”.

أي أنه بأي حال من الأحوال لايمكن تسميته بالنازح؛ لأنه عاد إلى أرضه أرض آبائه وأجداده، ولا غرابة في أن يترك الرجل أرضه، وبلده الذي نشأ فيه؛ فتلك سنة من سنن الحياة التي يجريها الله -عز وجل- على عباده، ولنا في هجرة المسلمين الأولى إلى الحبشة، وهجرتهم الثانية إلى المدينة المنورة خير مثال، وخير من ذلك وأفضل؛ هجرة نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- فقد هاجر من مكة المكرمة رغم أنها أحب البلاد إليه.

فالهجرة لها أسبابها ودوافعها، وهي كثيرة ومتعددة؛ ولسنا هنا بصدد الحديث عن هذه الأسباب أو التفصيل فيها فهذا ليس مجالها؛ وإنما حديثنا ينصب حول من يسمي العائد إلى أرضه بمسميات تُوحي بالانتقاص منه أو من وضعه، وتحميله مسؤولية أمر فرض عليه، وليس له أي خيار غيره بل لم يكن له يد فيه، وإنما ظروف الحياة، وطلب الرزق، والمعيشة هي التي أجبرت آباءه أو أجداده على الهجرة من ديارهم، وترك أوطانهم مرغمين؛ فلم يكن أمامهم خيار آخر …!! وعندما عادوا لوطنهم ولديارهم كانت الأحلام الوردية تراودهم بتوديع معيشة الضنك، والهم، والفقر، والعوز، والحاجة إلى عيشة الراحة، والدعة، والرفاهية، ورغد العيش. كانت أحلامهم تنصب على توديع حياة الخوف، والقلق، والتشرد، والتشتت، والتمزق إلى حياة الأمن، والاستقرار، والتجمع، ولم الشمل.

لم يدر بخلد أحدهم أن يُسمى”نازحًا” في وطنه، ولم يتصوروا يومًا من الأيام أن يعيشوا الغربة على أرضهم، ولم يساورهم الشك يومًا بأنهم سيعيشون غرباء بين أهلهم!! لم يخطر ببالهم يومًا أنهم سيحسبون نصف مواطن في وطنهم؛ لم يظنوا أن نظام العمل والعمال يعدهم”بنصف رجل”!! أمّا أن يأتي اليوم الذي يفصلون فيه من أعمالهم، ويمنعون من البحث عن لقمة العيش على أرضهم فهذا الذي لم يستطع-حتى خيالهم-أن يتصوره، ولو مجرد تخيل، بل ويعدوا من يتخيله-مجرد خيال-منهم محمومًا يهذي قد أصابته الحمى بالهذيان، أو مجنونًا فقد عقله ورفع عنه التكليف!! ولكن-وللأسف الشديد- بات ذلك واقعًا ملموسًا في ظل نظام العمل والعمال الذي تسعى الوزارة لتطبيقه، وطُرِدَ الكثير منهم من عمله، ومُنِعَ الآخرون من ممارسة أي أعمال أو تجارة بسيطة يقتاتون منها، وتقيم صلب أبنائهم!! وكل ذلك بحجة “السعودة” وتحت ذريعتها حرم هؤلاء من العيش الكريم!!! على الرغم من أنهم لديهم معاملات لم تُنهِ في الأحوال المدنية، وربما بعد أيام قليلة يحصل البعض منهم على حقه الشرعي بحمل جنسية وطنه، ويعود إليه مسماه الذي حرم منه لسنين طوال!! بسبب ذنب لم يقترفه، وعمل لم يرتكبه..

بل كل القضية؛ أن جده هاجر… وهو عاد لوطنه!! ومن هنا نوجه نداءً لوزير العمل بأن هؤلاء أمانة في عنقك مادمت حملت شرف الوزارة، وتحملت ثقل أمانتها التي نسأل الله أن يُعينك عليها، وبأن عودتهم إلى أعمالهم من أهم الأعمال الإنسانية التي ستحسب للوزارة؛ خصوصًا وأنهم كانوا يعتبرون ضمن”السعودة”..فإن كنت تعلم عن فصلهم فاتق الله فيهم، وإن كانوا فصلوا من دونك فليتق الله من فصلهم، ولتعلم بأنهم باتوا في الشارع يهددهم الجوع، والفقر، والعوز، والحاجة …!!

وختامًا.. نقول لمن تسبب في مأساتهم تذكّر أن الأيام دول بين الناس، وقبل أن تتذكّر قدرتك عليهم تذكّر قدرة الله عليك..ولتعلم بأن هؤلاء “عَائِدُونَ وَلَيْسُوا نَازِحِين”َ .

ساير المنيعي

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى