المقالات

حقيقة تاريخية لطائفة “قريشي” الاجتماعية في شبه القارة الهندية (1-4)

إعداد د. صاحب عالم الأعظمي الندوي

لقد تأثرت التقسيمات الاجتماعية الإسلامية في شبه القارة الهندية بالتقسيمات الاجتماعية الهندوسية في العصور الإسلامية. ولا شك أن مثل هذه التقسيمات في الطوائف الاجتماعية الوراثية تنوعت في كل عصر ومصر فيها تحت مسميات عديدة، لا سيما في العصور الإسلامية. ومما يُثير الاهتمام هو أن نظام الطوائف الاجتماعية الوراثية في الهند مد نفوذه على جميع الأديان والأعراق التي هاجرت إليها واستقرت بها وجعلها تذوب في الثقافة الهندية. وقد ظهر هذا النظام بسبب ظروف غريبة وغير واضحة تقريبًا.

وعلى كل حال معظم الطوائف الاجتماعية المكونة من المهاجرين المسلمين أضافوا ألقابًا خاصة لهم لإثبات التفوق العرقي على المسلمين الهنود ومنهم على سبيل المثال وليس الحصر “السيد” و”الشيخ”، و”الخان”، والأنصاري، والقريشي، والفاروقي، والصديقي وغيرهم، ونحن لسنا هنا بصدد الحديث عن جميع هذه الطوائف الاجتماعية الوراثية، فهذا الموضوع خارج نطاق هذا المقال، إنما سوف نحاول هنا البحث عن أصل طائفة “قريشي” الاجتماعية.

وقد سبق وطرح عليَّ المستشار الثقافي الباكستاني في القاهرة سؤالًا عن أصل مصطلح “قريشي” ما إذا كانت تعود أصولها لقبيلة قريش في مكة المكرمة، فوضحت له ذلك في تلك الجلسة العلمية، وها اليوم تلقيت رسالة من جانب بعض الإخوة الأفاضل في صفحة “تويتر” الاجتماعية عن الموضوع نفسه. مما حملني على البحث في بعض المؤلفات الخاصة بأصول الطوائف الاجتماعية الوراثية الإسلامية في الهند وفي بعض الولايات مثل ولاية گجرات، والسند، وبعض المناطق في شمال الهند. وفي الواقع تعرف طائفة أو طبقة “قريشي” في شبه القارة الهندية والباكستانية على أساس أن مهنة رئيسة لهذه الطائفة هي ممارسة مهنة الجزارة وما يتعلق بها من الأعمال الخاصة في الوقت الحالي، وإن كان يمارس أفراد هذه الطائفة أعمالًا ونشاطات وحرفًا أخرى.

والفرق بين استعمال مصطلح “قصاب” و”قريشي” هو إنه من الممكن أن يمارس أي أحد مهنة الجزارة أي يذبح المواشي ويبيع لحومها، ويطلق عليه “قصاب”، أما “قريشي” فليس من الضروري أن يمارس حرفة الجزارة، وإن كان يمارس معظم أفراد هذه الطبقة مهنة الجزارة والدباغة، ولهم في الوقت الحالي مذابح وشركات تصدير اللحوم، وكذلك يمارس كثير من الأسر من هذه الطبقة، وذلك منذ العصور الإسلامية مهنة الدباغة، وإن تطورت وتركت الطرق التقليدية، ولهم شركات الدباغة العصرية، تصنع الجلود بكل أنواعها للأسواق الهندية ولتصديرها خارج البلد، لا سيما في مدينة كانپور في شمال الهند. ويدعي كثير من الأسر لا سيما من الأسر الثرية والمعروفة اجتماعيًا بأنهم ينتمون إلى قبيلة قريش في مكة، ويعزون نسبهم إليها، وقد يكون ذلك صحيحًا بالنسبة لبعض الأسر، ولكن من المستحيل تعميم هذا الحكم على جميع عشائر هذه الطائفة وأسرها. وفي الواقع بعد سقوط الدولة المغولية وفي عصر الاستعمار البريطاني، زادت هذه الظاهرة إلى درجة أن الكثير من العامة من المسلمين اتخذوا عادات طوائف الأشراف وتقاليدهم مع تلقيب أنفسهم بألقاب الأشراف مما يساعدهم على إثبات نسبهم الأعلى بين الآخرين وينظر إليهم بنظرة الاحترام والتوقير، وقد سارت بعض الطوائف الاجتماعية الهندوسية على نفس المنوال لتحقيق نفس الأهداف. ولا تزال هذه العادة جارية وسارية في الهند.

السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو إلى أي مدى صحة ادعاءات طائفة قريشي في الهند نسبها إلى قبيلة قريش في مكة المكرمة؟ وقبل الخوض في غمار الحديث عن ذلك يستحسن إلقاء الضوء السريع على خلفية الهجرات العربية والهندية في العصور الإسلامية. 

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

  1. اشعر أن الكاتب فسر الماء بعد الجهد بالماءِ.
    ولم يحدد شيئ وانما اعاد نفس السؤال واحالنا الى الهجرات السابقة فقط.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى