لم تنقطع سلسلة الهجرات العربية والإسلامية إلى الهند حتى في عصر الدولة المغولية، وتفيد بعض المصادر وجود المحلة العربية “عرب سرا” الواقعة عند ضريح السلطان همايون في دهلي، والتي قامت بإنشائها زوجة السلطان المذكور، نواب حاجي بيگم في عهد السلطان أكبر عام 968هـ/1560م. واستقرت فيها ثلاثمائة أسرة عربية مما جعلها معروفة باسم “عرب سرا”، وإن لم يبقَ لها أثر ولا خبر في الوقت الحالي، ربما اندمجت مع الوقت بالطوائف الاجتماعية الأخرى وذابت فيها. تفيد المصادر المغولية المعاصرة بأن معظم هذه الأسر العربية استقدمتها الأميرة عند عودتها من الحرمين، حيث إنها زارت الحرمين الشريفين بهدف الحج والعمرة، ولبثت فيهما أربع سنوات إلى أن رجعت في عصر السلطان أكبر. ويبدو أن الهجرات من الدول الإسلامية والعربية تمت إلى الهند من جهة الشمال، ومن جهة الغرب أي تلقاء مناطق السند والگجرات ربما بواسطة الطرق البحرية، وتفيد بعض الكتب الگجراتية في مجال دراسات قبائلها بوصول بعض الأسر العربية من منطقة الحجاز، ومنها الأسرة ” ميتا قريشي” التي كانت تعد الطوائف الاجتماعية الإسلامية القاطنة في ولاية الگجرات في الهند؛ لا سيما في منطقة الكتش وفي السند الواقعة في پاكستان. ونحن لا نسمع عن هذه الطائفة في المناطق الهندية الأخرى حتى نهاية سلطنة دهلي. وفي الواقع هذه الطائفة واحدة من عدد من الطوائف الرعاة الرحل التي كانت تعتمد على نمط معيشتها على الترحال والتنقل في منطقة باني التابعة لكتش الگجرات والسند في العصور الإسلامية.
وكان يطلق على هذه الطائفة لقب “مينا قريشي أو مجرد “قريشي”. وتفيد المصادر الهندية بأن هذه الطائفة يرجع أصولها إلى عدد قليل من أهالي قريش مكة الذين هاجروا مكة، ووصلوا إلى الكتش في الگجرات خلال القرن السادس الهجري الموافق القرن الثالث عشر الميلادي. وبعد استقرارهم في هذه المنطقة مارسوا مهنة رعي الغنم والمواشي، ومنها زاد لهم لقب “ميتا” بالإضافة إلى لقب “قريشي”، ومعنى “ميتا” باللغة الگجراتية صاحب الماشية، فكان لديهم اهتمام برعاية الماشية وتربيتها أكثر من أي مهنة أخرى، وكانوا أصحاب المواشي من الغنم والإبل. ويبدو، ولو كان نسبهم صحيحًا، أنهم إما كانوا من قوم البدو من الجزيرة العربية؛ لأنهم بعد وصولهم إلى السند والكتش فضلوا الإقامة بقرب المناطق الحضرية وحول مواضع المياه فيهما، وحرصوا على امتلاك الإبل والغنم وغيرها وتربيتها وكسب القوت بواسطتها، أو كانوا من الأعراب بحيث ربما قد توغلوا في الصحاري في سبيلهم وتنقلهم الدائم، ووصلوا إلى صحراء “تهار” الممتدة من جنوب إقليم الپنجاب الهندية مرورًا بإقليم راجستهان والگجرات إلى إقليم السند في پاكستان الحالية. وحصلوا على لقب “قريشي” من قبل أهالي هذه المنطقة، أو اتخذوا لأنفسهم لقب “قريشي” على أساس انتمائهم إلى قبيلة قريش. ولكن يرجح أنهم كانوا من البدو لأنهم كانوا يعتمدون على جميع أنواع الماشية، أو ربما دخل البعض في التجارة كذلك، حيث إن هذه المنطقة خاصة كانت مزدهرة جدًا إبان تلك الفترة في مجال التجارة المحلية والدولية، وكان يوجد بها وبالسند الموانئ التجارية الكثيرة والتي نشأت في عصر الدولة العربية منذ القرن الثاني إلى أن قضت الدولة الغزنوية على كل من الإمارات الإسلامية السنية والشيعية في القرن الخامس الهجري. ومنذ ذلك الوقت أصبحت هذه المنطقة ولاية من ولايات الدولة الغزنوية، ثم للدولة الغورية لا سيما بعد قيام القائد شهاب الدين الغوري بالاستيلاء على ميناء ديبل في السند في عام 578هـ/1182م إلى أن قامت سلطنة دهلي في عام 602هـ/1205م بيد القائد قطب الدين أيبك المتوفى 607هـ/1210م، وتمكنت من الاستيلاء عليها في عهد السلطان إيلتتمش المتوفى 633هـ/1236م. وقد تطورت أحوال طائفة “قريشي” في هذه المنطقة؛ لا سيما بعد اندماجهم بالقبائل الأخرى مثل “مالدهاري”، وإن حافظ أهلها على هويتهم ولقبهم “قريشي”.
د. صاحب عالم الأعظمي الندوي