الشرف مكانة عظيمة يبحث عنه كل من في الكون، وهو ليس حكرًا على بني البشر فحسب بل إنه فضل يؤتيه الله -عز وجل- لمن يشاء من مخلوقاته؛ فكما أن للبشر كرامات وتشريف..للأماكن كذلك. والشرف حين يُكتسَب يصبح مفخرة يتباهى به صاحبه، وكم يكون هذا الشرف عظيمًا حين يكون التشريف والتكريم والاختيار من رب العالمين؛ فحين اختار الله -عز وجل- مكة المكرمة دون بقاع الأرض كلها لتكون مُهاجَر أبينا إبراهيم عليه السلام، ومقرًا لأول بيت وضع للناس؛ بيت الله الحرام لهو شرف لا يضاهيه شرف ومكانة لاتعلوها مكانة..فقد قال تعالى(إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ) آل عمران (٩٦).
فمنذ ذلك التاريخ وهذه البقعة المباركة تحظى بمكانة عالية لاتقاربها بقعة من هذا الكون الفسيح..واستمرت هذه المكانة في ازدياد وعلو حتى أصبحت مصدرًا للشرف والفخر والاعتزاز لسكانها من العرب؛ فقد حظيت”قريش” بمكانة عظيمة بين قبائل العرب بسبب خدمتها لهذا البيت الحرام.. فأصبحت بذلك هذه الأرض أمًا للعروبة ومهدًا لحضارتها، ومصدرًا لعزها وفخرها..وقد زاد الشرف شرفًا، وزاد التكريم تكريمًا لهذه الأرض وللعرب بأن جعلها الله مهدًا لخاتمة الرسالات، ومحضنًا لخاتم الأديان، ومقرًا لخاتم الأنبياء والرسل-صلى الله عليه وسلم-وزيادة في الكرم،وعظمًا في التفضل، ومنتهى الشرف والسؤدد بأن أنزل الله كتابه الكريم بلغة هؤلاء العرب؛ فقد قال تعالى:( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) يوسف (٢) .. ولم يقف التشريف عند هذا، بل تعداه لتكفل الله -عز وجل- بحفظ لغة هؤلاء العرب إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ودليل ذلك قوله تعالى (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) الحجر (٩) .. فهذا الذكر الذي تكفل الله بحفظه نزل بلغة العرب؛ فحفظه حفظًا لها..وهل بعد هذا شرف؟!! وهل بعده فضل وكرم؟!! . واستمر هذا الشرف والتكريم والفضل على مر هذه السنين فمنذ ذلك التاريخ وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها تبقى هذه المكانة محفوظة لمن يخدم هذه البقعة الطاهرة المباركة.
فلو قرأنا التاريخ، وتتبعنا حقبه الزمنية، ودرسنا الدول التي تعاقبت على حكم هذه الأرض، وخدمة هذا البيت العتيق لوجدنا أن هناك أمرًا جليًا واضحًا للعيان لايحتاج إلى المزيد من البصيرة ليدرك ويحس ويعرف فماهو..؟!! ياترى.. إنها الحقيقة الواضحة الجلية والتي تتمثل في أن من يخدم البيت العتيق حق خدمته ويقوم على شؤونه بأفضل صورة..يحظى بهذا الشرف..ويمكّن له الله -عز وجل- حكمه ويوطد أركان دولته، ويرفل بنعمتي الأمن والأمان..وهذه سنة الله في أرضه.. بل ويتعدى الأمر ذلك بأن تنال بلاده المكانة العالية والسيادة والريادة..فلا غرو في ذلك فهي قبلة المسلمين التي يتوجهون إليها خمس مرات في اليوم ..والتاريخ خير شاهد على ذلك.
ولنا في بلادنا خير مثال حي فمنذ أن أسسها الملك عبدالعزيز-طيب الله ثراه- وإلى يومنا هذا وهي قائمة على خدمة الحرمين الشريفين؛ فوهبها الله بذلك مكانة عظيمة عند المسلمين، وعزًا، ومهابة عند العالم أجمع؛ حتى إنها أضحت ملاذًا لكل مكلوم، ونصيرًا لكل مظلوم، ومحضنًا لكل صاحب حق مهضوم، وبيتًا لكل شعب منكوب، وسندًا لإعادة كل حق مسلوب. فعندما غُزيت الكويت الحبيبة كانت محضنًا لأهلها، ومقرًا لحكومتها، وسندًا لهم حتى استردوا حقهم، وعادت بلادهم.. وعندما حاولت يد الغدر-مدعومة من محور الشر والفساد وموطن الغدر والخيانة بلاد المجوس- أن تمتد للبحرين الأبية قطعتها مملكتنا الغالية بمشاركة شقيقاتها دول الخليج العربي معتمدة في شرعية موقفها على ميثاق التعاون الخليجي ودرع الجزيرة..
وحين لجأ إليها-بعدالله- الرئيس الشرعي لبلاد الحكمة يمننا العربي الأصيل بعدما تعرض له من غدر وخيانة من المخلوع وشرذمة الحوثيين الذين تقف خلفهم أيضًا مهبط الشر والفساد، ومبعث الغدر والخيانة دولة المجوس..كانت بلادنا على الوعد-كعادتها- فقال “سلمان الحزم والعزم” كلمته..فهبت “عاصفة الحزم”والتي مازالت تدك حصون الجهل ومعاقل الضلال..والنصر قريب بحول الله وقوته.. فمن كان على الحق نصره من الله ومن ينصره الله فلا غالب له..( إِن يَنصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ ۖ …) آل عمران (١٦٠). من هنا..نبعث رسالة واضحة لكل الذين يحاولون النيل من بلاد الحرمين فنقول لهم:(قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ)آل عمران(١١٩) ونقول لهم كانت بلادنا..ومازالت..وستبقى..بإذن الله..أُمُ العُرُوبَةِ وَمَهْدُ الإِسْلَامِ .
ساير بن عوض المنيعي-الرياض
كلام رائع من هامة إعلامية سلمت اناملك استاذ ساير ..