في الوقت الحالي تختلف هذه الطائفة من طائفة “الشيخ” الگجراتية التي يقطن منهم العدد الكبير في المدن والقرى، بحيث إنهم أصحاب الأملاك والأراضي الزراعية. وتفيد المصادر الگجراتية أن “طائفة الشيخ” تُعد أقدم طائفة في هذه المناطق الغربية، وقد تفرعت فيما بعد منها طوائف وطبقات عديدة ومن أهمها طائفة “بيجاني”، و”تهرياني”، و”موساني”، و”ناكيانبي”، و”جنداني”، و”بيوني”، و”سلياني”، و”لادهاني”، و”برياني” وغيرها. وتحظى كل هذه العشائر بمكانة متساوية وبينهما قرابة وزواج. أما فيما يتعلق بعشيرة أو طائفة “ميتا قريشي” فكان ولايزال يتم الزواج فيما بينهم، وذلك من أجل الحفاظ على بقاء الجماعة واستمرارها وعدم اختلاطها بغيرها.
كان لديهم تحفظات وخوف من خطر الاندماج أو الذوبان في جماعات وطوائف اجتماعية أخرى مثل “طائفة الشيخ” وعشائرها المذكورة آنفًا. ولكن تُفيد المصادر الگجراتية بأن “ميتا قريشي” يتزوجون في عشائر أخرى تابعة لجماعة أو طائفة “مالدهاري” الإسلامية التي كانت أيضًا تمارس مهنة رعاية الماشية من الإبل والغنم وغيرها، مثل عشيرة “مطوع”، ربما كانت هذه العشيرة الأخيرة أيضًا هاجرت من الجزيرة العربية إبان تلك الفترة واستقر حالها في هذه المناطق الهندية.
وكانوا يستقدمون مواشيهم من الإبل والغنم والجواميس والأبقار من القرى والأرياف إلى أسواق “بهوج” التابعة لمدنية كتش الگجراتية، وبالإضافة إلى تربية الحيوانات كانوا يقومون بصناعة المواد الغذائية من الحليب والجبن وغيرها للبيع في تلك الأسواق المحلية. وتجدر الإشارة هنا إلى أن صاحب المقال قد سنحت له فرصة في عام 2014م أن زار منطقة الكتش ومدينتها “بهوج” وزار معظم المناطق التابعة لها، وهذه المنطقة لا تزال معروفة بكثرة الماشية من الأبقار والجواميس والغنم والماعز..إلخ.
ولما كانت الشعوب والمجتمعات القاطنة في كتش الگجراتية دائمًا في حالة التنقل في داخل الهند وخارجها من أجل التجارة المتبادلة، ومن هنا فكثير من الأسر الهندية “البنيان” و”الخوجة” وغيرهم هاجروا إلى مناطق دول الخليج العربية واستقروا فيها، وأسهموا في تجارة هذه المناطق المحلية والدولية إبان تلك الفترة التاريخية، والكثير منها انتقلت إلى المناطق الهندية الأخرى، وانطلاقًا من هذه الرؤية انتقلت بعض الأسر من طائفة ” ميتا قريشي” إلى مناطق أخرى في شبه القارة الهندية بحثًا عن عمل، واستقروا فيها لاسيما في مدن شمال الهند. ويبدو أنهم لم يتح لهم فرص لممارسة مهنتهم القديمة بعد وصولهم إلى شمال الهند، فاختاروا مهنًا جديدة ألا وهي مهنة الجزارة والدباغة التي كان شمال الهند مشهورًا جدًا بها منذ عصر سلطنة دهلي إلى أن قامت الدولة المغولية في النصف الأول من القرن العاشر الهجري، وبدأ دور جديد في تطور المجتمع الإسلامي، ورسخت فكرة تقسيم المجتمع الهندي إلى الطوائف الاجتماعية المهنية أكثر من أي وقت مضى، وقد وفرت التقسيمات الطائفية المهنية الهندوسية القديمة نموذجًا لتقسيم المجتمع الهندي على حسب المهن والحرف، والذي صار منهجًا فيما بعد للمسلمين الهنود. وقد نشأت بعض العادات والتقاليد بامتـزاج التأثير والتأثر لكل أصحاب المهن والحرف، وكذلك تأكدت فكرة عملية الزواج في داخل نفس الطبقة.
وقد بالغوا فيها فيما بعد إلى أن وصلوا إلى التعصب، حتى أنهم ما كانوا يتزوجون إلا في إطار حرفهم ومهنتهم حتى ولو اقتربت الفتيات من سن العنوسة. وظهر كثير من المظاهر الاجتماعية إبان تلك الفترة، ومنها أنهم بدؤوا يعلمون أبناءهم حرفهم ومهنتهم بهدف تحويل المهن للورثة. وتمدنا المصادر المعاصرة بالمعلومات التي تؤكد على أن المسلمين إلى قيام الدولة المغولية تبنوا جميع المهن والحرف للحصول على الرزق وتأثروا جدًا بنظام الطوائف الاجتماعية المهنية والحرفية الهندوسية. وتؤكد علينا كتب گجراتية متخصصة في تاريخها وحضارتها بأن طائفة “قريشي” كانوا من السنة ولايزالون على مذهب آبائهم، إلا أنهم ينتمون إلى مذهب البريلوية لا سيما في كتش الگجرات والسند، ولا نعرف بالضبط متى تم هذا التحول المذهبي وسببه وزمنه على وجه التحديد.
وإن كان ولا يزال معظم الأسر القريشية في شمال الهند من أهل السنة والجماعة، وأنجبت فطاحل المحدثين والفقهاء، ونوابغ العلماء والباحثين والمتخصصين في مجال الطب والهندسة إلخ لاسيما في عصر الاستعمار البريطاني. والسؤال الذي يطرح نفسه هو هل تمكنت أهالي قبيلة قريش، إن صح التعبير، من الحفاظ على لغتهم العربية بعد استقرارهم في الگجرات والسند؟ ربما استطاعوا إلى ذلك سبيلًا في بداية الأمر، على أنهم في الوقت الحالي يتكلمون مثل عشائر مالدهري الأخرى، باللغة الكتشية، ولكنهم يستعملون كلمات ومفردات ومصطلحات كثيرة من اللغة السندية ذات الحروف العربية. هذا ويبدو أنهم بعد وصولهم إلى المناطق الهندية الأخرى واستقرارهم فيها يطلق عليهم “قريشي” أو “قصائي” أي قصاب بسبب ممارسة مهنة الجزارة. ويطلق عليهم أيضًا “چكوا” أو “برا قصائي” أي قصاب كبير، أو “بكرا قصائي” أي قصابي الأغنام والجدي”، علمًا بأنهم لا يطلق عليهم مصطلح “قرشي” في جميع الأحوال، إنما اقتصر الحال على استخدام مصطلح “قريشي” من “قريش”.
ويبدو أنهم بعد وصولهم إلى المناطق الهندية الأخرى لا سيما تلقاء شمال الهند، اندمجوا مع أهالي الطوائف الاجتماعية الأخرى، ولم يتمكنوا من الحصول على مهن ومناصب عالية، وإن تحولوا من رعاة البقر والأغنام إلى ذابحيها، وقاتليها. وفي نهاية المطاف يبادر إلى ذهن القارئ عن الطوائف الاجتماعية الإسلامية الأخرى في شبه القارة الهندية، حقيقة أن هنالك طبقات وطوائف اجتماعية عديدة ومعقدة، ومنهم على سبيل المثال “أنصاري” التي تدعي بأنها ترجع أصولها إلى الصحابي حضرة أبي أيوب الأنصاري، وتمارس مهنة الحياكة والتطريز، ومنها “الفاروقي” التي تزعم بأنها تعود أصولها إلى الخليفة الثاني حضرة عمر رضي الله عنه، ومنها “الصديقي” التي تدعي بأن يرجع أصولها إلى الخليفة الأول حضرة أبي بكر رضي الله عنه، وهلم جرا، والحديث عن كل هذه الطائفة سوف يتطلب مقالات عديدة للبحث عن أصلها في صفحات كتب تاريخية هندية.
ومن الجدير بالذكر في هذا المقام أن جميع هذه الطوائف الاجتماعية الوراثية المذكورة أعلاه تعد من الطبقة الثانية أو حتى الثالثة، فمثلًا لا يسمح السيد أو الشيخ أو حتى الخان بأي حال من الأحوال أن يتم الزواج مع هذه الطوائف الاجتماعية، وإن يتم الزواج بين أفراد تلك الطوائف الاجتماعية بشكل عادي جدًا.
د. صاحب عالم الأعظمي الندوي
– — – ———
للاستزادة يمكن الرجوع إلى المراجع التالية:
Imperial gazetteer of India, 10 Vols. (London, Trübner & co. 1887).
- W. Smyth, Gazetteer of province of Sind Sukkur district, (Pakistan 2005).
- S. Singh, Anthropological Survey of India: Uttar Pradesh, (Manoharlal, Delhi 2005).
- People of India: Gujarat, Vol. XXI, Part Three edited by R.B Lal, P.B.S.V Padmanabham, G Krishnan & M Azeez Mohideen.
- Risley, Herbert Hope, The people of India, (Calcutta & Simla, Thacker, Spink & co 1915).