صورة أنيقة وآخاذة تلك التي نشاهدها في استقبال الحجاج من مكاتب خدمات الحجاج في مكة المكرمة والمدينة المنورة بما تحمله من معاني الحب والود والسعادة بقدوم الحجاج والابتهاج بلقياهم، ومما زاد الصورة جمالًا وفتنة مشاركة الأطفال من أبناء وبنات المطوفين والإدلاء في الترحيب بالحجاج وإهدائهم الورود ورشهم بالعطر وتقديم الهدايا لهم والتبسم أثناء لقائهم، كل تلك المبادرات المتميزة تعبّر عن أخلاق وكرم وأدب ونبل أبناء هذه البلاد الطاهرة، كما تؤكد على المكانة الكبيرة التي يتبوأها ضيوف الرحمن في نفوس أرباب الطوائف من مطوفين وأدلاء وغيرهم، والشرف العظيم الذي يستشعرونه بخدمتهم للوفد الكريم ومد يد العون لهم لأداء الفريضة، مع حرصهم على توريث هذه الأدبيات لأبنائهم من بعدهم. ومع كل التقدير والامتنان لما يبذل من جهود إلا أننا بحاجة لوقفات مع هذه المبادرات حتى لا تخرج عن أهدافها السامية وغاياتها النبيلة.
الوقفة الأولى : من المعلوم أنّ غياب الضوابط عن أي عمل يجعله مُدعاة للاجتهادات الفردية، والتي بدورها لن تسلم من الزلل بحسن نية ورغبة في التميز والتفوق، وقد شاهدنا البعض يحضرون “الجسيسة” لمشاركتهم في استقبال الحجاج، وقد يتطور الأمر للشيلات التي انتشرت بين الناس انتشار النار في الهشيم، فتصبح حفلات الاستقبال أشبه بالموالد والمدائح، وقد يصل البعض للألعاب الشعبية كالمزمار والعرضة والخبيتي وما شابه ذلك، وكل ذلك خروج عن المقاصد الطيبة في إشاعة روح الفرح بمقدم ضيوف الرحمن، ثم إن هؤلاء الحجاج تركوا خلفهم في بلادهم الأهازيج الشعبية والفلوكلورات الوطنية والأغاني والمواويل الطربية وشدوا الرحال متجردين من كل تلك الملهيات لأداء الركن الخامس من أركان الإسلام، فواجبنا أن نهيئ لهم الأجواء الإيمانية الهادئة التي تساعدهم على تحقيق مقاصدهم وتعينهم عليها.
الوقفة الثانية: أنّ هذه الصور الجميلة في استقبال الحجاج لا يمكن الاستمرار في تقديمها لجميع الحجاج لما تشكله من أعباء مالية على مكاتب الخدمة، والتي ما فتئت تشتكي من تدني عوائد خدمات الحجاج التي لم تتغير من أكثر من ٢٥ سنة. فما لا نستطيع تقديمه للجميع فلا حاجة للإنفاق عليه وتحمل أوزاره لمجموعة واحدة فقط من الحجاج، ولنبحث عن عمل إيجابي يستفيد منه جميع الحجاج كوجبة الضيافة التي قننت واستفاد منها الجميع.
الوقفة الثالثة : أنّ الورد رغم جماله وشاعريته والمعاني الرقيقة التي يحملها عند تقديمه للإنسان عمومًا حاجًا كان أو غير حاج، لكننا قد نجد ما هو أنفع للحاج من تقديم الورود والهدايا الرمزية، فكثير من الحجاج قدموا من بلاد الورد فيها أكثر من علب المياه المعدنية والمشروبات الغازية الفارغة في بلادنا، وقد يجدوه في طرق بلادهم دون تكاليف مالية، كما أنّ أعمار غالبية الحجاج لن تتأثر بشاعرية الورد الذي يعبّر عن العواطف الجياشة لفئة الشباب أكثر من غيرهم. فإن كان ولابد وتوفرت لنا القدرة المالية على تقديم ما ينفع الحجاج ولو بدعم من جهات أخرى تبحث عن الدعاية فلتكن مظلات شمسية تقيهم حرارة شمس بلادنا ولفيحها القاسي، ونكون بذلك قد حققنا أهدافنا من إبداء السعادة للحجاج فرحًا بوصولهم وتقديم هدية تنفعهم لن نعدم معها دعوات صالحة منهم.
طارق عبد الله فقيه