المحلية

لماذا وقف عائض القرني للسلام الوطني وجلس عوض؟

(مكة) – متابعة

صورة واحدة جمعت متناقضات ومفارقات بين شخصيتين طالما اعتبرا من “مواهب الصحوة” بحسب وصف أنصارهما لهما، هما عائض القرني وعوض القرني، اللذين التقطت لهما صورة خلال إحدى المناسبات الخاصة حديثاً، تظهر صاحب كتاب “لا تحزن” واقفاً ضمن الجمهور أثناء ترديد السلام الوطني، وعلى بعد عدة أمتار عنه آثر الآخر، مؤلف كتاب “الحداثة في ميزان الإسلام”، البقاء ساكناً بالجلوس على مقعده.

الأول عائض القرني لمع نجمه عبر الخطابات والكاسيت الدعوي، والثاني قدم نفسه مثقفاً باعتنائه بنقد الحداثة على المستوى العربي، فكسب عائض الجمهور بالظرافة والفن الروائي حتى بات نجماً من مشايخ الصحوة خلال النشاط الكبير لسوق “الكاسيت” حينها، وبالمقابل سعى عوض للاعتناء ومن خلال “الكتاب” بجمهور آخر أكثر انشغالاً بالإيديولوجية الأصولية السياسية.

قبل الحديث عن مفارقات مثيرة جمعت بين النجمين، من الأهمية الإشارة إلى أن عدم الاعتراف الديني بمفهوم المراسم والرمزيات الوطنية لم يكن بالأمر الحديث والذي لطالما كان باباً مفتوحاً للجدال بين العلماء التقليديين، وذلك قبل أن تأخذ مسألة الوقوف للنشيد الوطني وأداء تحية العلم أبعاداً أخرى أشبه ما تكون برمز ثوري وهدف سياسي قامت على تبنيه ورعايته جماعات وأحزاب الإسلام السياسي، على رأسها جماعة الإخوان المسلمين، وما وقع من النائب البرلماني الكويتي محمد هايف قبل سنوات قريبة بعد رفضه الوقوف للسلام الكويتي رغم كونه نائباً بالبرلمان خير برهان.

الخطاب الإخواني والأصولي بشكل عام ظل محافظاً على موقفه المعادي لكافة الطقوس والممارسات ذات البعد الوطني والتي كانت أبرز صورها الوقوف أثناء ترديد “السلام الوطني”، انسجاماً مع ما تؤمن به هذه الجماعات والحركات بفكرة “الأمة” وعدم الاعتراف بحدود الدول العربية والإسلامية، أو كما يصفونه بـ”حدود سايكس بيكو” والتعبئة الجماهيرية ضدها باعتبارها أحد مظاهر الاستعمار “الصليبي”، ووفقاً لذلك التوظيف يصبح أداء السلام الوطني من مظاهر الولاء لغير الله، وهو الرأي الذي لطالما التزمت به أغلب الأحزاب الإسلامية المسيسة باستثناء من حسمت أمرها بفكرة الولاء للوطن.

الحركات المتطرفة أخذت من ذات النبع فظهر لدينا عدد من منظري “القاعدة” الشرعيين في السعودية وممن يمضون محكومية سجنهم حتى اليوم، لا تزال فتواهم في تحريم تحية العلم وأداء التحية العسكرية تتردد بين حين وآخر.

كان منها فتوى ناصر الفهد، المنظّر الفكري لـ”القاعدة”، والتي أطلقها منذ سنوات قائلاً: “ولما في أداء التحية العسكرية من مهانة للمسلم وخضوع وخنوع للبشر، مما قد يجعل الرجل التقي ينحني بالتحية العسكرية لمن هو أقل منه شأناً من ناحية التدين حتى وإن علت مرتبته العسكرية وهذه المراتب إنما هي تقليد غربي يمحق الهوية الإسلامية ويستبدلها بالفكر الغربي. لهذا فإنه يحرم أداء هذه التحية على الصورة التي يمارسها العسكريون”.

وكذلك وليد السناني المنظّر القاعدي والذي وُصف كأحد أشرس مكفري الدولة السعودية، كان من بين من اشتهروا فيما مضى بالتركيز على تحريم التحية العسكرية باعتبارها تحية طاغوتية.

وكان من آخر المنظرين ضد المظاهر الوطنية الداعية عبد العزيز الطريفي في إجابة له على أحد السائلين عبر إحدى الفضائيات عن حكم الوقوف أثناء ترديد الأناشيد الوطنية والقيام لها قائلا: “هذا لا يجوز على أي حال كان ولا صلة له بالوطنية أو الولاء للوطن ولا ينبغي للإنسان التعلق به وأن يربطها بالولاء للوطن، والوقوف للعلم تعظيماً له نوعا من التعلق للأشياء التي لا قيمة لها وينبغي للإنسان أن يجتنب ذلك”.

وأضاف الطريفي: “الوطن لا يتعلق بقطعة قماش ولا لوح أو حديد أو خشبة، يقف له ثم يلقي النشيد الوطني، هذه شكليات لا تقدم ولا تؤخر وتقدح في عقائد الناس”.

عودة إلى الصورة الجامعة لعوض وعائض القرني، هي تظهر ما عبرت عنه وبارتجال غير مقصود أو متكلف عن سياقات سياسية بين طائفة من الناس، لا تقتصر على كونها من باب الخلاف الشرعي السائغ فلماذا وقف عائض وجلس عوض؟.

رغم التقاء النجمين الدعويين في أكثر من وقت بمسار واحد إلا أن أشبه ما يكون بالتباين قد يقع بين طريقيهما من حين لآخر، حيث عائض القرني متسماً ببراغماتيته المعهودة حتى وصفه البعض من زملائه من داخل التيار الصحوي بـ”غير المنضبط”، بسبب قيامه بتصرفات تحت الإغراء اللحظي دون مراعاة منه للمعايير الإيديولوجية.

وذلك خلافاً لعوض القرني الأكثر جدية والتزاماً إيديولوجياً حتى في أشد اللحظات حرجاً، فكان أن أصدر بحقه القضاء المصري حكماً غيابياً بالسجن 5 سنوات بتهمة غسيل الأموال وتمويل جماعة الإخوان المسلمين بمصر عام 2010.

اللافت بالأمر، أنه وللمرة الأولى استطاع الداعيتان عوض وعائض، اللذان تخرجا من قسم العلوم الشرعية الإسلامية للجامعة ذاتها، ونهلا من الكتب الشرعية نفسها تجسيد اختلاف الفتيا عبر “صورة”، مما أظهر ذلك الموقف السياسي للشخصيتين، أكثر من كونها وجهة نظر دينية تتعلق بمدى جواز الوقوف “للسلام الوطني” خلافاً لما يحاول المؤدلجون توصيفه ، وفقاً لـِ”العربية”.

عوض القرني وعائض القرني

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى