همسات الخميس
الشباب كلمة لا تخرج في جذرها عن معاني الاستعار والتوقد والاشتعال والاضطرام والاحتدام، وحتى عندما تبتعد بمعناها الحرفي عن تلك المعاني فإنها تظل دائرة في فلكها، أو تظل على مرمى حصاة منها، ذلك أن جذر ” ش، ب، ب ” تخرج من معطفه كلمات مثل: شبّ بمعنى أَوْقَد، ويقال شبّت النار إذا توقدت، وشبّ حريق إذا توقد فجأة، وشبّ نارّ الموقد إذا أشعلها، وعلى هامش ذلك المعنى قالوا: شبّت نيران الحرب إذا اندلعت، وعلى مرمى حجر من ذلك المعنى قولهم: شبّ الخمارُ والشعرُ لونَ المرأة أي أظهر جمالها.
ويخرج من معطفه أيضا: شب الغلام إذا صار فتيّا، وشب عن الطوق إذا كبر، وشب الصبي ليفتح الباب إذا وقف على أصابع قدمه ليرتفع، وشب الفرس أذا حرن، وعلامة حرن الفرس أن ينشط ويرفع يديه، وشب الفرس إذا لم يقبل انقيادا، وشب نار الفتنة إذا سار بها، والشب ملح معدني أبيض حامضي، يتركب من كبريتات الألمونيوم والبوتاسيوم، يستخدم في الدباغة وحفظ الجلود من التفسخ غير أنه حارق إذا لامس جلدا إنسان به قروح.
وتخرج من ذلك المعطف كلمة شاب فنقول شاب رأس الرجل إذا اشتعل رأسه شيبا، وشاب الحليب بالماء إذا خلطه به، وشاب في القول كذب وفي البيع خدع، وشاب عنه دافع عنه، ومنها الشبأ وهو البرد اللاسع، وشبا السيف حدّه القاطع، وشباة العقرب إبرتها اللاسعة، وشبا تعني علا، وشبا وجهه أضاء، وشبا النار شبها، وشبا الفرس رفع يديه نشاطا، والشِباب ما يتخذ وقودا تشعل به النار، وشبب الشاعر إذا ذكر أيام اللهو والشباب وشبب بالمرأة تغزل بها ووصف جمالها وشبب القصيدة حسنها وزينها بذكر النساء.
أعتقد أن كل خطة تستهدف الشباب دون أن تعي المعنى الحرفي للشباب هي خطة غير واقعية، وكل خطة تستهدف الشباب دون أن تتوقف وقفة تربوية حكيمة أمام طبائع الاستعار والتوقد والاشتعال والاضطرام والاحتدام هي حرث في الصحراء.
محمد ربيع الغامدي