ما يُشاع من تضبيب للحجر المبارك في كل سنة ما هو إلا لوجه الحجر الذى يبدو للناس من خلال الغلاف الفضي، وهى شظايا متناثرة، فقيل خمس عشرة قطعة، وقيل ثمانٍ قطع، وقيل تسع قطع، تم جمعها حينما تعرض الركن للاعتداء مرات عدة في تاريخه العظيم، فمرة ضرب بعتلة كبيرة، ومرة ضرب بدبوس، وأثناء هذه الاعتداءات تطايرت منه شظايا مثل الأظفار، فقام سدنة البيت العتيق وأولو الأمر بجمعها في حينها، وتم إلصاقها بوجه الحجر نفسه، وهى التى تضبب وتعالج في كل سنة حتى الآن، وليس الحجر الأسود نفسه، لأنه باق غائص بعرض جدار الكعبة البالغ سمكه نحو المتر تقريبًا.
وقد يرى البعض من المثقفين الذين اطلعوا على بعض الكتب نظرة عابرة وغير متفحصة، ويرون صورة واجهة الحجر من خلال (رسم) وبها بضع قطع مشمعة وممسكة بالعنبر والمسك، فيقول إن ما ذكرته مطعون فيه، وقد شاهدنا ذلك في بعض الكتب بأم أعيننا، فقد يشيرون بذلك إلى كتاب العلّامة محمد طاهر كردي -رحمة الله عليه- وللرسم الذي به .
وأنا أقول: إننى رغم ثقتي وعلمي بما أقول، وقبل كتابة هذا المقال، رجعت إلى كتاب العلّامة الشيخ محمد طاهر كردي للرد عليه حرفيًّا إن قال ذلك، فوجدت رحمه الله، قال ما يثلج صدري ويؤيد كلامي. وفيه يقول -رحمه الله تعالى- وهو العالم المكي المؤرخ الفذ في صفحة 236 في الجزء الثاني من كتابه المسمى التاريخ القويم : إن الحجر الأسود لونه أبيض، ما عدا ما يظهر منه فإنه مسود من أثر الحريق الذى وقع بالكعبة في عهد قريش وابن الزبير، والذي يظهر منه بعض قطع صغيرة، وهو محاط بطوق من الفضة الخالصة السميكة، وطوله نحو ذراع داخل في بنيان الكعبة، فما كان داخل البنيان فلونه أبيض مورد، وما ظهر منه من القطع المتكسر فهو مسود من أثر الحريق انتهى بنصه.
ويقول في صفحة 249 الجزء الثاني: إن الحجر الأسود لا ينحت منه شيئًا مطلقًا، وهو أصلب من الحديد بآلاف المرات، إنه ليس كالأحجار العادية، بل فيه سر إلهي يشرفه عن جميع الأحجار حسًّا ومعنى انتهى. وأنا مع اختلافى معه -رحمه الله- في تعليل الاسوداد بالحريق، أتفق معه في كون الحجر المبارك باقٍ غائص بجدار الكعبة المشرفة، وأن ما يظهر منه وجهه داخل الإطار الفضي، وكذلك الشظايا الناجمة عن الاعتداءات المتكررة عليه، فجمعت هذه الشظايا وضمدت بالمسك والعنبر والشموع المطيبة، ووضعت على وجه الحجر الأسود الأساس، وأما الحجر نفسه فهو هناك مصان محفوظ موضوع ضمن بنيان الكعبة المشرفة ولن يطاله أي عدوان لتكسيره أو تفتيته والحمد لله .
وأما سبب اسوداد الحجر فلم يسود بأثر الحريق، بل سودته خطايا بنى آدم ولمس المشركين له طوال القرون الماضية قبل الإسلام كما أخبر عنه الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم، فقال : كان الحجر الأسود أشد بياضًا من الثلج حتى سوّدته خطايا بني آدم كما رواه الإمام الطبراني في معجمه الكبير ورواه الإمام أحمد في مسنده بلفظ : الحجر الأسود من الجنة، وكان أشد بياضًا من الثلج حتى سودته خطايا أهل الشرك . وبهذا نكون قد بيّنا للناس حقيقة هذا الحجر الأسود الكريم، وأثبتنا بقاءه في ركن الكعبة المشرفة حتى اليوم وغدًا، وإلى أن تقوم الساعة، فيرفعه الله تعالى إلى السماء مع مقام سيدنا إبراهيم عليه السلام كما ورد في ذلك عدد من الأحاديث.
ونكون قد بيّنا للناس أن الحجر الأسود موجود خلف هذا الإطار الفضي الموضوع على ركن الكعبة المشرفة وأن ما يراه الناس داخل الفضة ما هي إلا شظايا جمعت من الحجر نفسه، فضمدت على وجه الحجر الظاهر للاستلام والتقبيل. وأن ما ينشره ويعتقده الكثيرون من العوام والكثير من المثقفين أيضًا : بأن الحجر الأسود لم يبقَ منه إلا بضع قطع صغيرة فكلام عار عن الصحة تمامًا. وهنا نقول إن من يريد التحدي، فالتحدي مفتوح. وعليه : أن يثبت ما الذى أزال الحجر الأسود المبارك من موضعه، وخلعه من بطن جدار الكعبة مرة أخرى بعد حمدان القرمطي لعنه الله، وعليه أن يثبت أين مصير الحجر؟ وأين ذهب؟، وعليه : أن يثبت أن موضعه في الكعبة اليوم خال منه، ويثبت أن وراء الإطار الفضي لا يوجد الحجر الأسود نفسه. ولكن ذلك محال على كل عالم أو متعلم أو مؤرخ، ولن يقدر على ذلك أحد كائنًا من كان إلا معاند فاسخ ملحد، يريد تشكيك المسلمين بأمر دينهم ممن يدعون العلم وهو فارغ منه .. والحمدلله رب العالمين .
ضياء محمد عطار