يقول المثل السائد ( أهل مكة أدرى بشعابها ) وهو مثل يُقاس به لفظًا ومعنى للعديد من الأمور التي قد تغيب عن أذهان البعض ويعرفها آخرون عن مكة المكرمة وأهلها، وأنا أقول : المسلمون كما نحن أدرى بما يقوم به أهل مكة من جهود وخدمات لضيوف الرحمن من حجاج بيت الله الحرام والمعتمرين في المواسم الدينية خاصة وطوال العام، ومن ينكر ذلك فهو مكابر يُغالط الحقيقة ويتجافى عن الواقع المشهود .
إن أهالي مكة المكرمة حظيوا بشرف هذه الاستضافة طوال العام، كما حظي بهذا الشرف الكبير كل من أتيحت له الفرصة لتقديم أي نوع من أنواع الخدمات التي تنشر مظلتها في المشاعر بفضل من الله تعالى، ثم بفضل ما تقدمه حكومة خادم الحرمين الشريفين التي -أعزها الله- بخدمة المدينتين المقدستين مكة المكرمة والمدينة المنورة، كما شرفها بخدمة ضيوف بيته العتيق وزوار مسجد رسوله الكريم عليه الصلاة والسلام وبالذات رجال الأمن جميعًا دون استثناء سواء ممن تم اختيارهم للعمل في الحج أو من يقف على الثغور في أنحاء المملكة وحدودها الجغرافية .
فالحقيقة التي أود التنويه عنها أن جهود سكان مكة المكرمة، وإن كانت تنصهر في بوتقة الجهود التي يقدمها كل من أسندت إليه مهام خدمة الوافدين للحج أو العمرة؛ فإنها من وجهة نظري موضع تقدير الدولة -أيدها الله- كما يجب أن تكون موضع تقدير الوافدين وجميع المواطنين في هذه البلاد باعتبار أهل مكة الواجهة التي تعطي الانطباع الحضاري والخدمي لبلادنا لهؤلاء الملايين الذين يأتون من كل فج عميق؛ ليشهدوا منافع لهم ويذكروا الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام … إن أيام الحج وما يسبقها وما يعقب أداء هذا الركن الخامس من أركان الإسلام الخمسة من استعدادات وتحضيرات وازدحام وتكدس للسيارات التي تغص بها شوارع العاصمة المقدسة، كما أن تلك الأعداد المهولة من البشر لاشك وأنها تؤثر تأثيرًا مباشرًا على حركة وحياة سكان مكة المكرمة فهم وإن كانوا يشعرون بهذا التأثيرإلا أنهم صابرون ومحتسبون وأصبح في برنامج حياتهم طوال العام أمرًا عاديا فلا يبالون بوقوف سيارات الغير في واجهات منازلهم وفي مواقفهم الخاصة ولا يضيقون ذرعًا عندما لا يجدون فرصة لقضاء شؤون حياتهم المعتادة، وكما يقول محدثي وهو من أهل هذه المدينة المقدسة : إن الوضع يزيدنا فخرًا واعتزازًا بأن نكون ممن يساهم ولو معنويًّا بجهد المقل تجاه هؤلاء الضيوف ويعتبرونها منة من الله وكرامة في الدنيا بأن أصبحوا بحكم موقعهم الجغرافي من خدام بيته الحرام وضيوفه الكرام يرجون ثواب ذلك في الآخرة .
بغض النظر عن ماديات الحياة ومكاسبها فلا يحسدون على ذلك؛ لأنهم كانوا ولم يزالوا القالب الذي انصبت فيه دعوة إبراهيم الخليل عليه السلام قال تعالى:( رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ ) .
من هنا فإنني أسجل بطاقة شكر لأهالي هذه المدينة التي تتجه إليها القلوب والأنظار خمس مرات في كل يوم في صلواتهم وطوال العام؛ لأداء مناسك العمرة والزيارة ومرة في كل عام في شهر الحج. ولا أنسى أهالي المدينة المنورة الذين عرفت عنهم الطيبة وحسن استقبال زوار مسجد نبي الهدى -صلى الله عليه- وسلك كيف لا وأسلافهم هم الذين استقبلوه بنشيد طلع البدر علينا من ثنيات الوداع عند هجرته للمدينة المنورة؛ لينشر الدعوة المتمثلة في الدين الإسلامي الحنيف الذي انطلق إلى أصقاع المعمورة من تلك البطاح الطاهرة بعد أن شع نوره من جوار الكعبة المشرفة، وبعد أن اصطفاه الله ليكون الدين الشامل الكامل للبشرية جمعاء قال تعالى : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) وفق كتابه الكريم الخالد الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وسنة نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم.
إن هذه الدولة السنية حرسها الله من كيد الكايدين وحماها من حقد الحاقدين وحسد الحاسدين وضعت نصب أعين قادتها خدمة هاتين المدينتين المقدستين؛ فحظيتا بالكثير من المنجزات الحضارية التي تُسجل بمداد من ذهب لملوك هذه البلاد – منذ عهد المؤسس – يرحمه الله – الملك عبد العزيز ومن خلفه من بعده من أبنائه الملوك البررة يرحمهم الله حتى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز – شرف إعمار المسجد الحرام والمسجد النبوي بتوسعات متعاقبة؛ لتستوعب هذه الملايين وفق منظومة خدمات متميزة كما سيكون شاهدًا حتى تقوم الساعة على هذا المنجز الذي أبهر العالم الإسلامي في بنائهما وتشييدهما وتشغيلهما وصيانتهما وما يحيط بهما من خدمات تنظيمية عصرية التي تقدم للوافدين إلى المسجدين طوال العام من الداخل والخارج من الحجاج والمعتمرين والزوار وعموم المصلين طوال العام، جعل الله ذلك في موازين حسنات هؤلاء القادة الميامين، وبلغهم بأجرها وثوابها في يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، ونحن على ذلك من الشاهدين . من هنا فإننا نفخر بهذه المنجزات، ونؤكد وقوفنا مع دولتنا في شرف هذه الخدمة، ونعاهدهم بأن نكون عند حسن ظنهم في الوقوف سدًّا منيعًا لكل الدعاوى الباطلة التي تنشرها وسائل الإعلام المغرضة من قبل الدول التي ظهر عداؤها للمملكة، ولم يعد خافيًّا على الدول الإسلامية هذا في الوقت الذي تقف جميع الجهات الأمنية والمدنية؛ لتواصل الليل بالنهار لخدمة ضيوف الرحمن غير آبهة بمن ينعق من خلف الجدران وبالذات من إيران التي دائمًا ما تختلق الحجج والأعذار؛ لتمنع مواطنيها من أداء فريضة الحج كغيرهم من المسلمين وفق الأنظمة التي أقرتها الدول الإسلامية ووافقت عليها.
ولكن كما يقال الأحمق عدو نفسه وهذا ما ينطبق على معمميهم الذي استضعفوا شعبهم، وأذكوا في نفوسهم الطائفية المقيتة حتى تخلفوا عن ركب مواكب الهدى التي انطلقت في المشاعر المقدسة لمليوني حاج يعيشون في أمن وأمان؛ ملبين الدعوة الإلهية لأداء هذا الركن بيسر وسهولة، ويعودون لبلدانهم سالمين غانمين سفراء ينقلون ما وجدوا من حفاوة وخدمات جليلة ترعاها حكومة المملكة وقادتها بكل ارتياح من غير منة .
د . عبد الله غريب
نائب رئيس النادي الأدبي بالباحة