قال الله تعالى:﴿ بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾سورة التوبة، آية رقم (1)، يقول ابن كثير في تفسيره: وأول هذه السورة الكريمة نزل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما رجع من غزوة تبوك وهم بالحج، ثم ذكر أن المشركين يحضرون عامهم هذا الموسم على عادتهم في ذلك، وأنهم يطوفون بالبيت عراة فكره مخالطتهم، فبعث أبا بكر الصديق أميراً على الحج هذه السنة، ليقيم للناس مناسكهم، ويعلم المشركين ألا يحجوا بعد عامهم هذا، وأن ينادي في الناس ببراءة. فلما قفل أتبعه بعلي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه ليكون مبلغاً عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لكونه عصبة له..
وعن أبي هريرة، أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه بعثه في الحجة التي أمّرهُ النبي صلى الله عليه وآله وسلم عليها قبل حجة الوداع، يوم النحر في رهط يؤذن في الناس ((لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان)) صحيح البخاري: كتاب المغازي، باب حج أبي بكر بالناس في سنة تسع، حديث رقم (4363)، ابن حجر: فتح الباري، ج7، ص882.
فكانت براءة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم من المشركين في حجة العام التاسع للهجرة؛ إعلان رباني بطهارة الأرض الحرام بيت الله وكعبته المشرفة والمشاعر المقدسة من دخول المشركين إليها، وإيذانٌ بزوال الشرك من الجزيرة العربية، وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر أن الله بريء من المشركين ورسوله: أي بعد هذه الحجة فإن تبتم فهو خير لكم، وإن توليتم فاعلموا أنكم غير معجزي الله، وبشر الذين كفروا بعذاب أليم.
ومن هذه البراءة التي أمر بها ربنا عز وجل، وأنفذها رسولنا صلى الله عليه وسلم، وكلف بإعلانها أبي بكر الصديق وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما، فتمت هذه المهمة وطهر الله الأرض المقدسة (مكة والمشاعر المقدسة) من رجس المشركين من العام التاسع للهجرة إلى يوم القيامة بإذن الله.
أما “صرخة البراءة الخالدة”، فهي ابتكار إيراني صفوي رافضي، لا أصل له في معتقدات المسلمين ولا في معتقدات الشيعة الإثنى عشرية..
لأنه منطقياً مهمة إعلان البراءة من المشركين انتهت بنهاية حج العام التاسع، ولم يدعو لها الرسول صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، ولم يدعو لها خلفاؤه الراشدون من أبي بكر الصديق إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين.
فهدف النظام الإيراني تحويل هذه الدعوة إلى ظاهرة سياسية في موسم الحج للتأسيس لشرعية “ولاية الفقيه”، وبالتالي فتح باب الجدال..! الذي نهى الله عز وجل، عنه في قوله تعالى:﴿ الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ ۚ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ۗ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ ۗ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ ۚ وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ﴾(197) سورة البقرة.
بل ما يؤكده علماء الشيعة –قديماً وحديثاً-أن التطابق في أركان الحج وواجباته بين الشيعة والسنة مرده حديث حجة الوداع الطويل الذي رواه جعفر الصادق، عن أبيه: محمد بن علي “زين العابدين” بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم، نقلاً عن الصحابي الجليل جابر بن عبدالله:
حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيل الْمَدَنِيُّ ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : دَخَلْنَا عَلَى جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فَسَأَلَ عَنِ الْقَوْمِ حَتَّى انْتَهَى إِلَيَّ ، فَقُلْتُ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ فَأَهْوَى بِيَدِهِ إِلَى رَأْسِي ، فَنَزَعَ زِرِّي الْأَعْلَى ، ثُمَّ نَزَعَ زِرِّي الْأَسْفَلَ ، ثُمَّ وَضَعَ كَفَّهُ بَيْنَ ثَدْيَيَّ ، وَأَنَا يَوْمَئِذٍ غُلَامٌ شَابٌّ ، فَقَالَ مَرْحَبًا بِكَ يَا ابْنَ أَخِي ، سَلْ عَمَّا شِئْتَ ، فَسَأَلْتُهُ وَهُوَ أَعْمَى وَحَضَرَ وَقْتُ الصَّلَاةِ ، فَقَامَ فِي نِسَاجَةٍ مُلْتَحِفًا بِهَا كُلَّمَا وَضَعَهَا عَلَى مَنْكِبِهِ ، رَجَعَ طَرَفَاهَا إِلَيْهِ مِنْ صِغَرِهَا وَرِدَاؤُهُ إِلَى جَنْبِهِ عَلَى الْمِشْجَبِ ، فَصَلَّى بِنَا ، فَقُلْتُ : ” أَخْبِرْنِي عَنْ حَجَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ بِيَدِهِ : فَعَقَدَ تِسْعًا ، فَقَالَ : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَثَ تِسْعَ سِنِينَ لَمْ يَحُجَّ ، ثُمَّ أَذَّنَ فِي النَّاسِ فِي الْعَاشِرَةِ ….)) صحيح مسلم، كتاب الحج، باب حجة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، حديث رقم 1218، ج8، ص149-.
فهذا الحديث النبوي الصحيح، عن رحلة حجة الوداع لم يتم فيها إطلاقاً دعوة للبراءة من المشركين. لماذا؟ لأنها انتهت بالعام السابق لها..!.
ولماذا لا يلتزم –دعاة الشيعة اليوم في النظام الإيراني-بما التزم به أئمة آل البيت رحمهم الله وأسكنهم الجنة..؟!!
– لذا أوجه دعوة لكل المخدوعين بالدعاية الصفوية الإيرانية، إلى مراجعة نص حديث الصحابي الجليل جابر بن عبدالله رضي الله عنه، ونقله عنه جعفر الصادق عن أبيه محمد الباقر رحمهما الله..!!
من ذلك يتبين للجميع أن هدف حكومة إيران؛ إثارة الفتن والقلاقل في الحج لترويج سياسية تساعد على ترسيخ نظام ولاية الفقيه وتحقيق أهدافه.
والله الهادي إلى سواء السبيل.
د. الشريف محمد بن حسين الحارثي
: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ ، إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ ، لَكَ وَالْمُلْكَ ، لَا شَرِيكَ لَك ، تحليل منطقي وسرد تاريخي لظهور الدعوى صدقا وعدلا وما تفضل به ابن عمنا الكريم الدكتور البارع الشريف محمد بن حسين الحارثي حفظه الله سداد وتوفيق للهدى لا ينكر وتحذيره مما يحاك في الظلام ضد هذه الأمة وأقوال ظاهرها حق وباطنها باطل ممن يخططون لتقويض بيضة الاسلام من مهد انطلاقته ونحن معه في التحذير من مغبة تصديق هؤلاء القوم الذي راينا بام اعيننا بخطرهم على ديننا الحنيف الاسلام الوسطي الناصع ذو المحجة البيضاء وفقكم الله ورعاكم دوما اعزائي