تقرير/ د.عبدالله الوزان
تستغل إيران نفوذها بوصفها جمهورية إسلامية، عن طريق النشاط في منظمة المؤتمر الإسلامي، ومحاولة مساعدة الدول الإفريقية الإسلامية بغرض كسر عزلتها الدولية، بالإضافة إلى ترويج مشروعها للتبشير بالمذهب الشيعي.
ويعتمد النفوذ الإيراني في إفريقيا على سياسة نشر أكبر عدد من البعثات الدبلوماسية في القارة، وبناء مشاريع تجارية صغيرة ومتوسطة، بالإضافة إلى وعود بزيادة التعاون في المستقبل. ولقد استلهمت بعض الحركات والجماعات الإسلامية في أفريقيا في خطابها الإسلامي تجربة الثورة الإيرانية، وذلك في مسعاها لتغيير واقع الجمود والتخلف الذي أصاب المجتمعات المسلمة الأفريقية في مرحلة ما بعد رحيل الاستعمار، ولا يخفى أن حركية النموذج الإيراني وليس ما ينطوي عليه من اجتهادات وقناعات فقهية كانت هي الأكثر تأثيرًا على الواقع الأفريقي في بعض رؤاه الإصلاحية.
بيد أن الاستراتيجية الإيرانية الجديدة في أفريقيا قد وظفت هذا التأثير السياسي من أجل تطويره ليأخذ طابعًا دينيًّا مذهبيًّا، وهو ما يدخل في إطار نشر المذهب الشيعي بين الجماعات المسلمة في أفريقيا. ولعل أبرز مثال في هذا السياق هو تجربة الحركة الإسلامية في نيجيريا أو “إخوان نيجيريا” بزعامة الشيخ إبراهيم الزكزاكي الذي قام بزيارة مدينة “قم” الإيرانية وتلقى تمويلًا إيرانيًّا؛ ليحول جماعته بعد ذلك إلى جماعة جهادية تحارب الحكومة العلمانية وتسعى إلى تطبيق الشريعة الإسلامية وفقًا للنموذج الإيراني.
على أن تجربة المد الشيعي لم تعتمد فقط على نيجيريا، وإنما شملت دولًا أخرى مثل السنغال التي شهدت بناء حوزة علمية بجوار جامعة داكار، وهي تمنح الطالب شهادة تُعادل الثانوية، كما أن هناك المركز الثقافي الإيراني في مالي، ومن الملاحظ أن الجاليات الشيعية اللبنانية تسهم بدور كبير في نشر التشيع بين الأفارقة، كما هو الحال بالنسبة لساحل العاج.
وعليه يمكن القول إن الاختراق الإيراني لأفريقيا الذي يعتمد على دوافع سياسية واقتصادية معلنة ترمي إلى الخروج من آثار العزلة الغربية المفروضة على إيران بسبب برنامجها النووي يستبطن تحقيق أهداف أخرى قد تبدو غير واضحة. فالاستراتيجية الإيرانية لها أيادٍ غير ناعمة كذلك، حيث إنها تتورط في تصدير الأسلحة لمناطق الصراعات الأفريقية بغية تحقيق مصالح سياسية واستراتيجية، ولا تقتصر الحركة الإيرانية على ما هو سياسي واقتصادي وعسكري فقط في أفريقيا، ولكنها تقوم على رافعة مذهبية وثقافية كي تستطيع من خلالها تثبيت الأقدام بعد كسب نفوس وقلوب الأفارقة. وهذا هو بيت القصيد في الاختراق الإيراني الجديد لأفريقيا الذي يرتدي عباءة المصالح المتبادلة والوقوف في مواجهة قوى الإمبريالية والاستكبار العالمي.
وقد صدر منذ عدة أعوام بإشراف لجنة تقصي الحقائق عن مركز نماء للبحوث والدراسات سنة 2010 كتاب بعنوان (التشيع في أفريقيا – تقرير ميداني) أراد هذا الرصد الميداني أن يتبين الواقع الفعلي لحقيقة النشاط الشيعي الوارد من دولة إيران الشيعية في البلدان السنية، وهل يصل التشيع إلى حد الظاهرة من حيث وجوده المؤسَّسي ومدى تحوُّل السنيين فعليًّا إلى المذهب الشيعي، وخلص التقرير إلى تصنيف الدول الأفريقية من حيث تغلغل النشاط الشيعي إلى الأقسام الأربعة التالية :
1- دول يؤكد التقرير أن التشيع يصل فيها إلى مستوى الظاهرة وهي ثلاث دول؛ نيجيريا حيث «التشيع منتشر وله وجود منظم، وهي أكثر بلاد أفريقيا من حيث انتشار التشيع ووجود توتر بين الشيعة والسنة». والدولتان الأخريان هما غانا وتونس. وإذا اعتبرنا نيجيريا وغانا من دول غرب أفريقيا التي استقبلت منذ وقت سابق المهاجرين اللبنانيين، وظهر فيها نشاط محدود للجالية هناك، فقد يبدو لافتًا وجود قوة شيعية ذات أثر في تونس.
2- دول يصل فيها النشاط الشيعي إلى مستوى الظاهرة من حيث الجهود المبذولة والمؤسسات من مدارس ومساجد وحسينيات وبعثات دراسية، مع تحوُّل محدود إلى المذهب الشيعي. والدول هي: سيراليون وكينيا وغينيا كوناكري وساحل العاج والسنغال وتنزانيا وجزر القمر والمغرب والجزائر.
3- دول يوجد فيها نشاط ملموس ومتزايد للتشيع، ولكنه لم يتحول إلى كونه ظاهرة لا في المؤسسات ولا في اعتناق أهل البلاد للمذهب، والبلاد هي: النيجر وبِنِين ومالي والكاميرون والكنغو والسودان وأوغنده.
4- أما الدول التي لا يعدّ النشاط الشيعي فيها ملموسًا أو ظاهرًا و«لا يمثل ظاهرة لا في مؤسساته ولا في معتنقيه»؛ فهي توجو وليبيريا وموريتانيا وتشاد وجيبوتي، والصومال وموزمبيق وإثيوبيا وزامبيا، والجابون وغينيا بيساو وبوركينا فاسو.
ثمة دولة يسكت التقرير عن تقييمها وهي مصر، فقد ورد أن للشيعة نشاطًا تعليميًّا وثقافيًّا وإعلاميًّا في مصر، لكنه على نطاق ضيق جدا ويكاد يكون مقصورًا على الأفراد الذى يعتنقون التشيع وعددهم لا يكاد يذكر قياسًا بعدد السكان وحجم النشاط الإعلامي والثقافي في مصر بشكل عام. وانتهى التقرير إلى محصلة مفادها أن التشيع لم يبلغ حدَّ الظاهرة في الدول الأفريقية، لكنه في تزايد ملموس، وأن النشاط الشيعي تواجهه ردود فعل رسمية خجولة، إذ إن أغلب الدول الأفريقية تسمح به، عدا الدول التي تعاملت معه في وقت من الأوقات على أنه مشكلة أمنية مثل نيجيريا ومصر.
أسباب زيادة النشاط الشيعي في إفريقيا تتلخص هذه الأسباب في النقاط الآتية: –
الفقر والجهل اللذان تعانيان منهما القارة، ويفسحان المجال للنشاط الدعوي الشيعي القائم على منظومة متكاملة من العمل (الخيري) الطبي، والتعليمي.
– الإفادة من انتهاء الحرب الإيرانية العراقية أواخر ثمانينيات القرن الماضي في توجيه جزء من عوائد النفط إلى النشاط الدعوي بإفريقيا.
– تراجع الدور السياسي العربي في إفريقيا. – استغلال حاجات الدول إلى مساندات سياسية واقتصادية وعسكرية مُلِحَّة.
– الرضى (أمريكي – فرنسي) عن النشاط الشيعي في دول إفريقية ذات غالبية مسلمة؛ لا سيما نيجيريا وغانا وإريتريا وكينيا والسنغال… وغيرها.
-أحداث 11 سبتمبر 2001م وما نجم عنها من التضييق الدولي على قطاع العمل الخيري الخليجي (السُّني) وما يرافقه من نشاطات دعوية.
– ضعف دور الأزهر في إفريقيا.
– إقامة دول عربية علاقات رسمية مع إسرائيل وهو ما سمح لحركة التشييع في الإفادة من خيبة أمل بعض المسلمين الأفارقة في تلك البلدان، وتهيئتهم لقبول (الفكرة الثورية الحسينية) الرافضة لممارسات تطبيعية مع الصهاينة.
-حرب لبنان 2006م وما واكبها من صناعة كاريزما خاصة بزعيم حزب الله اللبنـاني (حسن نصر الله)، وهو ما وفَّر بدوره شخصية أسطورية ثورية نجح الدعاة الشيعة في تجسيدها كمثال على التمرد الشيعي للدول السُّنية.
– التفجيرات وأعمال العنف التي حدثت في أكثر من بلد إفريقي مثل تنزانيا وكينيا والصومال والجزائر ونيجيريا وأخيرًا مصر المنسوبة إلى تنظيم القاعدة أو تنظيمات سُنية مشابهة، يُصرُّ الدعاة الشيعة بإفريقيا وغيرها على صدورها عن عناصر سنية.