يجسد اليوم الوطني للمملكة العربية السعودية قصة كفاح ونجاح تعتبر مضربًا للمثل في التوكل على الله والإصرار على الحق فما نعيشه اليوم في ظل الدولة السعودية الثالثة هو مرحلة من مراحل تلك القصة, بدأت مع دعوة المجدد الإمام محمد بن عبدالوهاب وبدعم من الإمام محمد بن سعود؛ فقد كان هدفهم الرئيسي هو إعادة التوحيد للجزيرة العربية بعد ما تم تشويه الدين الإسلامي الحقيقي بالانحرافات الدخيلة على العقيدة الصحيحة حتى أن الشرك بشكله الجديد أصبح هو السائد في كثير من القرى والهجر.
فمع وهن وضعف الدولة العثمانية انتشرت البدع والشركيات في جزيرة العرب مما حدى بالشيخ محمد بن عبدالوهاب بالعزم على إعادة شرع الله والتخلص من كل مظاهر الشرك والانحراف, فقام بمغادرة العيينة والتوجه للدرعية لعرض دعوته على أميرها الإمام محمد بن سعود الذي ناصره بكل ما يملك من مال ورجال لتحكيم شرع الله وتطهير جزيرة العرب وإعادة التوحيد فانتشرت دعوة بن عبدالوهاب واستطاع الإمام محمد بن سعود توحيد معظم مناطق الجزيرة العربية، وقام بنقلها إلى عصر جديد انتشر فيه العلم والعلماء وازدهرت فيه المعارف, إلا أن ما شعر به المسلمون من صدق دعوة الإمام محمد بن سعود جعلهم يُدينون بالولاء لتلك الدولة ومنهجها السلفي، وهذا ما ساعد الأمير تركي بن عبدالله بن سعود على تأسيس الدولة السعودية الثانية في عام 1240هـ، ونقل العاصمة إلى الرياض بدلًا عن الدرعية وسار ومن تبعه من الحكام على خطى الإمام محمد بن سعود في نشر المنهج السلفي، ورفع راية التوحيد، واستمرت الدولة السعودية من العام 1240هـ إلى العام 1309هـ وتوجه الإمام عبدالرحمن بن فيصل بن سعود وأبنائه إلى منطقة الأحساء ومن ثم إلى الكويت.
وخلال عشر سنوات استطاع الفاتح المجدد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود من استجماع قواه لإعادة الدولة السعودية بمساعدة مبارك آل الصباح ففي 15/10/ 1319هـ قام بالانقضاض على الرياض، وفتحها واستعادة الحكم في ملحمة بطولية سطرها التاريخ بأحرف من ذهب ومن ثم الانتشار لاستعادة بقية الأراضي السعودية من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب إلى أن دانت له الجزيرة العربية بالولاء تحت حكم الله ورسوله, وفي تلك الأثناء سقطت الدولة العثمانية بعد خسارتها في الحرب العالمية مما ساعد على استتباب الأمن ومبايعة جميع الأمصار للملك عبدالعزيز آل سعود حاكمًا، وبعد توحيد جميع المناطق أصدر المرسوم الملكي بإطلاق مسمى المملكة العربية السعودية على جميع المناطق التي تتبع لحكم الملك عبدالعزيز، وكان ذلك في 21/5/1351هـ. ومنذ ذلك الوقت، وبفضل الله وعونه انتقلت الجزيرة العربية إلى عصر جديد من التطور والتقدم وسيادة الدين الإسلامي السلفي الصحيح بالرغم من كل ما واجهته وتواجه من أعداء الدين والملة من محاولات للإسقاط دورها الريادي في خدمة الإسلام والمسلمين إلا أن حفظ الله لها وعزيمة الأبطال من أبناء وأحفاد الملك عبدالعزيز جعلتنا نرى ما نحن فيه من رفاهية ومعيشة طيبة, فسعدنا مع سعود وقدنا العالم مع فيصل وتطورنا مع خالد وأصبحنا في مصاف الدول المتقدمة مع فهد وحققنا الإنجازات مع عبدالله، وها نحن نعيش العزة والكرامة والريادة للعالم في عصر سلمان كل ذلك لم يكن يتحقق بغير مجهود الرجال وإخلاص الحكام والتفاف الشعب حول قادته وحبهم لوطنهم.
إن قصة صمود الدولة السعودية هي مثال واضح وجلي على أن النجاح لا يأتي إلا بإخلاص النية لله أولًا، ومن ثم العمل بجهد وفق خطط ورؤية بعيدة والإصرار على الحق، ومعرفة أن الفشل قد يؤدي إلى نجاح أكبر، وأن الهزيمة قد يعقبها فتحًا من الله ونصر قريب. وفي يوم الوطن نتقدم بأسمى وأجمل عبارات التهنئة للمملكة العربية السعودية قيادة وشعب بذكرى اليوم الوطني السعودي، ونسأل الله أن يديم الأمن الأمان والاستقرار، والازدهار على وطننا الحبيب في ظل قادته المخلصين، وأن يصرف عن بلدنا السوء والفتن ما ظهر منها وما بطن.
من دعى لله وبشرعه حكم يستاهلك
ومن رفع راسك على كل الأمم يستاهلك
ومن ثنى بالسيف دونك والقلم يستاهلك
نستاهلك يا دارنا حنا هلك
انتي سواد عيوننا شعب وملك
وكل عام وأنت يا وطني بخير.
د. ياسر بن حسن الذهيبي