مرت المرأة السعودية في حياتها الاجتماعية والسياسية والتعليمية والثقافية عبر قرن من الزمان بحالات متباينة وظروف صعبة. فقد انحصر دورها في العقود الأولى من القرن العشرين، أي قبل التحولات الاقتصادية والتعليمية والسياسية التي شهدتها المملكة على تدبير شؤون المنزل وتربية الأطفال، فبقيت حبيسة المنزل لا تغادره نظرًا لانشغالها بتدبير أموره, هذا الاعتقاد الخاطئ بأن التاريخ يصنعه الرجال, وأن المرأة خُلقت للمنزل, وأنها غير قادرة على المساهمة في صنع تاريخ الوطن, هو اعتقاد خاطئ لا تؤيده وقائع التاريخ, وإذا ما أُغفل التاريخ عن ذكر العظيمات من بلادي, فالواجب علينا أن نذكر الأجيال القادمة بأدوارهن.
مع ذلك فقد حفظ لنا التاريخ أدوارًا مشرفة عن نضالها خلال مراحل الدولة الثلاثة بدءًا من موضي بنت وطبان زوجة الإمام محمد بن سعود مؤسس الدولة السعودية الأولى, التي ناصرت الدعوة, وكانت وراء تحالف زوجها الإمام محمد بن سعود مع الشيخ محمد بن عبدالوهاب.
من بين باقة هؤلاء العظيمات، انتقيت شخصية أخرى تُعد مضرب المثل في التضحية والنضال الوطني, فغالية الْبَقَمِيَّةُ والتي كان لشجاعتها وقيادتها الأثر العظيم في مؤازرة أنصار الدعوة حتى انهزم جيش طوسون بن محمد علي باشا في وقعة تربة سنة 1229 هـ/1813م, ثم تصدّت مع المجاهدين لحرب جيش محمد علي حين غزا تربة ليثأر لـهزيمة ابنه، بشجاعة نادرة، حتى أثارت حفيظته الذي تمنّى أن يقدر على إمساكها بعد انهزام جيشها وذهابها إلى الدرعية سنة 1230هـ, حتى قال محمد علي باشا عندما وصل إلى تربة: ” أمست دار غالية خالية”.
أما في الجنوب فقد برزت شخصية السيدة فاطمة بنت عائض آل عائض, والتي قادت حركة المقامة ضد الأتراك معبرة عن رفضها للاحتلال العثماني لبلادها, حتى سيقت مكبلة بالسلاسل إلى إسطنبول, وقد ظلت في ذلك المنفى حتى توفيت هناك بعد أن قامت بنسخ المصحف الشريف بخطها الجميل, وقد أرسلت به هدية إلى السلطان محمود الثاني, وبعد أن اطلع عليه أمر بإطلاق أسرها والعفو عنها, فلما فتح باب السجن وجدت فاطمة قد فاضت روحها إلى بارئها ودفنت في إسطنبول.
ومن بين الرائدات اللواتي حفرن أسماءهن في ذاكرة التاريخ الأميرة الجوهرة بنت فيصل بن تركي, والتي قال عنها الملك عبدالعزيز:” إنها المرأة الوحيدة التي كان لها التأثير القوي في مسار حياته, والتي كان لها أكبر الأثر في بدء مرحلة التأسيس فقد كان يستشيرها في تدبير بعض أموره وعلاقاته بالآخرين من رجاله لإدارة دفة الحكم. وأخيرًا أجعل مسك ختام مقالي اسمًا سطر مساره بماء الذهب في سجل التاريخ الحديث، يتعلق الأمر بالسيدة موضي بنت عبدالله البسام, وكان أول ما اشتهرت به من أعمالها البطولية ما فعلته مع جيوش مبارك الصباح في معركة الصريف 1318هـ/ 1901م, وكان جيش ابن رشيد يلاحقونهم, فوصل بعضهم إلى عنيزة التي كانت خاضعة لابن رشيد, فقامت موضي باستضافتهم سرًّا في أحد البيوت التابعة لأسرتها, ثم أرسلتهم بإعداد صغيرة إلى الكويت حتى وصلوا سالمين. لم يسجل التاريخ سوى أسماء قليلة للنساء اللواتي شاركن في الكفاح الوطني سواء في البوادي أو المدن، ولم يعكس حقيقة انخراطهن الفعال والمؤثر, وذلك يرجع بطبيعة الحال إلى طبيعة المجتمع المحافظ الذي جعل المرأة تنحصر في الأعمال المنزلية.
لكن تلك القلة من أعلام النساء التي نعثر عليها في المراجع تُظهر جليًّا حب المرأة للوطن وإسهامها الفعال في تحريره دون خوف أو كلل. فتحية احترام وتقدير لأولئك العظيمات اللاتي قدمن دروسًا في التضحية والشجاعة للأجيال المُتعاقبة.
نوير العميري