تعمل إيران منذ فترة طويلة على زعزعة الأمن والاستقرار في منطقة الخليج، وكذا المنطقة العربية وشحن المجتمعات في داخل إيران وخارجه بطاقات انشقاقية، وهذا التوجه تحاول من خلاله غرس مخالبها البغيضة لتنفث سمومها عبر بعض الأقليات في مسعى جاد وحثيث لأدلجة شعوب المنطقة وفق ثقافة طائفية متطرفة ومتأصلة بنزعة الشر والعداء, ولاشك أن هذا التوجه العبثي أفقدها الكثير سواء أكان ذلك من الناحية الاقتصادية أو السياسية ومن خلال تلك العثرات والمزالق باتت غير مهيأة للمضي قدمًا في المسارات الدولية.
فالعالم اليوم لا يبحث إلا عن مسارات للسلام كسبيل للنماء والتقدم والأمن والاستقرار, فإيران صُنفت من قبل منظمات دولية ودول عظمى بأنها دولةٌ راعية للإرهاب، وتتبنى خيار العنف وتعارض وفق أجندة خفية ومعلنة أي تجانس يتناغم بين المجتمعات الإسلامية كعقيدة تؤمن بها وتعمل عليها . إن النظام السياسي في إيران يتمركز حول محورية الفرد الرازح تحت سلطه الفقيه، وهنا تقع الإشكالية الأمر الذي يرى فيه العالم أنه مرتهن لعيوب الولاية (ولاية الفقيه)، والذي أكدته (مريم رجوي) زعيمة المعارضة الإيرانية في باريس وقد صرحت بأن عصر جديد سيبزغ فجره في إيران؛ حيث لاقى المؤتمر أصداءً واسعة على مستوى العالم بعد أن شارك فيه كبار الشخصيات الأمريكية والأوربية والعربية.
هذا التوافد على المؤتمر من قبل شخصيات عالمية ووفود دولية إنما يؤكد الوضع الخطير الذي يتجه إليه ملالي إيران على كافة الصعود فهناك عشرات الملفات أثارها المؤتمر, إلى جانب أن الشعب الإيراني ضاق ذرعًا لأن القائمين على إدارة الحكم على إيران دائما ما يسعون إلى المواجهة وإثارة الخلاف من خلال تغذية روح الكراهية بين شعوب المنطقة؛ وخصوصًا الأقليات وتأجيج الخطاب الديني المذهبي وتعميد حالات العداء؛ وذلك من خلال توفير مناخات مناسبة لاجترار الماضي وتوظيف سياقات مختلفة من خلال إحياء مأتم لمظالم واهية وطقوس مستمرة طوال العام تبث روح العداء في واقعنا اليوم وذاك هو المؤسف حقًّا دون النظر بعين العقل على قاعدة (ولا تزر وازرة وز أخرى). ولو سلمنا بحقيقة ما يدعونه أليس لكل نفس جزاء سعيها وعملها، أما الماضي فليس هو مسؤولية حاضرنا (تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ ۖ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ ۖ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ).
إن إيران بهذه التوجهات تخسر وظيفتها الحضارية، والتي قد تلاقت مع الكثير من حضارات العالم دون صِدام. والتطور يجب أن ينطلق من عقليه منفتحة إلى العالم وبروح إنسانية عالية؛ فقد سعدت النخب الفكرية والسياسية الإيرانية المعارضة لنظام ولاية الفقيه إلى تأسيس قاعدة جماهيرية عريضة داخل إيران وخارجه وبذلك دخلت مرحلة جديدة انطلقت بمباركة عالمية من فرنسا, ولاشك أن هذه التطورات هي إرهاص لاستئصال حكم ولاية الفقيه بكل تكويناته الأيدلوجية التي غير قادرة على التقدم أو الاستقرار ولن تخدم الأمن والسلم الدوليين؛ فمن يمعن النظر ويتأمل الأروقة السياسية وعلى عقود مضت سيكتشف حجم الجهود التي بذلتها المنظمات الدولية في محاولة ثني إيران عن توجهاتها التوسعية، ولكن دون جدوى فمن هنا يجب إعادة صياغة منهج تتبناه المعارضة يتوافق مع احترام دول الجوار؛ وكذا الأعراف والنظم الدولية وهو الخيار العالمي الأمثل الأمر الذي سيكون له نتائج إيجابية على المستوى الخليجي والعربي والساحة الدولية؛ لأن الوقوف بأرضية مشتركة وبفاعلية ويصاغ من خلال ذلك جوانب فعالة تحقق تعاونًا مشتركًا تخدم المنطقة وشعوبها، وستعود إلى إيران بالمزيد من التقدم والازدهار بدلًا من التطلعات والطموحات غير المشروعة التي لن تتحقق وخلاف ذلك لن يتحقق لإيران إلا مزيدًا من التدهور الاقتصادي والسياسي والعزلة الدولية.
عوضة بن علي الدوسي
ماجستير في الأدب والنقد