اليوم الوطني يوم تستحضر فيه الذاكرة إنجازات وإعجازات وطن قدم لإنسان هذه الأرض الخير والأمن والاستقرار على مدى 86 عامًا. وتحقق ذلك بعرق الرجال وحبهم لثرى هذه الأرض الطيبة المباركة؛ فحينما خرج الملك عبدالعزيز من الرياض والتجأ إلى الكويت مع والده كان عمره ( أربعة عشر ربيعًا) فقط .. من يصدق أن من في سنه يحمل هم الأمة ورؤية تحقيق وطن ودولة !! عاد بعدها بأربع سنوات وقد رسم في مخيلته خطته في استرداد ملك آبائه وأجداده وأعدّ العدة، وسار يصحبه الإيمان بالله وبالنصر، وستون رجلًا كانوا عضده الأول في تحقيق حلمه سار يجتاز الفيافي والقفار حتى استطاع في ملحمة بطولية خالدة السيطرة على الرياض عام 1319هـ.
ولم تكن الرياض هي كل طموحاته بل أراد أن يحقق رؤية ( الوحدة الوطنية)؛ لأن مجتمع الجزيرة العربية كان عبارة عن: قبائل متناحرة تعيش حياة البداوة وشظف العيش ويسودها قانون الغاب فالغزو والغارة للحصول على الماء والطعام، والسلب والنهب للقوافل التي تجوب القفار وخاصة قوافل الحجاج بل ويتهدد حياتهم… وجاء الملك عبدالعزيز فضم أجزاء الجزيرة العربية إلى دولته وهي الأحساء والقطيف وخلصها من حكم الأتراك العثمانيين ثم ضم أجزاء أخرى لدولته وهي عسير وجازان وحائل.
وبعد شهر من ملحمة فاصلة وصل إلى الطائف بقوة عسكرية أيضًا، ولكنه دخل مكة محرمًا ملبيًّا خاشعًا لا قائدًا فاتحًا مختالًا .. وخطب في جموع المصلين في البيت الحرام وأمنهم على أرواحهم وأعراضهم وأموالهم وكان ذلك في عام 1343هـ والذي قدم فيه بلاغ مكة الشهير والذي ورد في بعض فقراته : “كل من كان من العلماء في هذه الديار أو من موظفي الحرم الشريف أو المطوفين، ذا راتب معين، فهو له على ما كان عليه من قبل إن لم نزده فلا ننقصه شيئًا” وهذا إقرارًا من القائد الفاتح لأهالي مكة خاصة لخدام وفود الحجاج والمعتمرين. ثم اتجه صوب جدة وحاصرها، ثم دخلت في حكمه رغم المقاومة ووجود مرتزقة في صفوف الأشراف، ثم سقطت المدينة المنورة، وفي 15/6/1345هـ. تمت الوحدة بجوار الكعبة المشرفة في مكة، وأخذ البيعة من قيادات الحجاز ومواطنيه. كما تحقق الحلم والرؤية في 17/5/1351هـ الموافق 23 سبتمبر 1932م؛ حيث صدر المرسوم الملكي بمسمى الدولة الجديدة ” المملكة العربية السعودية ” .
نعم لقد تم توحيد هذا الكيان الكبير بتوفيق الله أولًا ثم بعرق الرجال وكفاحهم وإصرارهم وعزائمهم؛ فبعد 35 عامًا نجح القائد الفذ في تأسيس دولته، وكان مصادفًا لليوم الأول من الميزان ليكون رمزًا للعدالة التي التزم قادة هذا الكيان الكبير فقد اتخذت الدولة القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة دستورًا، وشعار لها السيفين والنخلة .. فالسيف رمزًا للعدل والنخلة رمزًا للعطاء والازدهار. وسار أبناؤه البررة رحمهم الله تعالى ( سعود وفيصل وخالد وفهد وعبدالله ) على نهج والدهم القائد الموحد، والأخذ بأساليب الدولة الحديثة بإنجازات ضاهت بها الأمم المتقدمة حضارة ورقيًّا. ثم جاء عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان القائد الفذ الذي استلهم من رؤية والده في مسيرة حضارية بدأت في يوم الجمعة 3/4/1436هـ؛ ليحمل راية التوحيد والبناء وقال مقولته الخالدة : ” نؤكد حرصنا على التصدي لأسباب الاختلاف ودواعي الفرقة والقضاء على كل ما من شأنه تصنيف المجتمع بما يضر الوحدة الوطنية، وأبناء الوطن متساوون في الحقوق والواجبات” .
وهو بهذا يؤكد على (الوحدة الوطنية) وأبعاد أبناء الوطن عن الأخذ بمسالك العنصرية والمذهبية والطائفية التي تزيد من تشرذم الأمة وإضعافها لتكون لقمة سائغة للآخرين. واختار وليًّا للعهد وزير الداخلية محمد بن نايف؛ ليكون سنده وعضده في مواجهة الإرهاب والتطرف ومحاربة الفساد بكافة أشكاله لترسيخ قواعد الأمن والأمان في المجتمع. واختار وليًّا لولي عهده صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ليكون درعًا حصينًا لحماية المقدسات الإسلامية والوطن بأكمله من المتربصين به من أعداء الأمة من المد الصفوي والحلم الصهيوني، بل ويحمل رؤية وطنية 2030م للمحافظة على كيان الدولة اقتصاديًّا وسياسيًّا واجتماعيًّا. فهل يعي أبناؤنا رؤى القيادة ومعانى الوحدة الوطنية والانتماء والولاء ؟؟ بل هل يعي ذلك مفكرينا وأدباؤنا ومثقفينا وعامتنا .. وأنها قوتنا في وجه المطامع والأجندات الخارجية التي منالها تمزيق وحداتنا وإثارة الفتنة الداخلية؛ لنصبح لقمة سائغة لها !! نعم متابعة مسيرة (رؤية الوحدة الوطنية) هي مسؤولية كل فرد فينا …
وكل عام ووطننا الغالي ومليكنا المفدي والشعب السعودي بألف صحة وسلامة واستقرار.
فاتن محمد حسين