المحلية

خبير في التخطيط الإقليمي: استمرار إزالة جبال مكة مخالف لتعليمات المقام السامي

شقدار : المقام السامي أمر بلجنة للإشراف على إزالة الجبال .. أين هي ؟

-حميدان : مخطط مكة الشامل الذي أعده الخبراء حُفظ في الأدراج ؟!

(مكة) – هيثم محمد

مكة المكرمة هي أول محمية على وجه الأرض، وإذا كانت المحميات الطبيعية في باقي مناطق العالم تخضع لقوانين تمنع الإضرار ببيئتها فإن مكة المكرمة هي محمية ربانية حرمها الله تعالى يوم خلق السموات والأرض، وجاء هذا التحريم واضحا في الحديث النبوي الشريف الذي يحرم الإضرار ببيئتها لذا يطالب عدد الخبراء والمعنيين بوقف الإزالة الجائرة لجبال مكة المكرمة و بضرورة وجود هيئة عليا تستعين بالدراسات العلمية وآراء الخبراء ولها صلاحيات فرض تطبيق معايير حماية البيئة ومنع الترخيص إلا للمشاريع المستوفية للشروط البيئية وشروط السلامة، وهذا وحده كفيل بحل مشاكل التوسع العمراني الضروري فمن خلال المعايير والقوانين الصارمة يمكن اختيار أنسب المواقع لإقامة المشاريع وتحديد الاشتراطات والمواصفات دون الإَضرار بالبيئة ومواردها الطبيعية التي لا تقدر بثمن ودون إهمال متطلبات الصحة والسلامة.
من جانبه حمَّل خبير التخطيط الإقليمي لمنطقة مكة المكرمة المهندس مستشار جمال يوسف شقدار عدد من الجهات على رأسها أمانة العاصمة المقدسة مسؤولية إزالة جبال العاصمة المقدسة بحجة التوسع في البناء السكني ، وبين شقدار أن توجيهات صاحب السمو الملكي مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة الأمير خالد الفيصل تقضي الإلتزام بالمخطط الشامل لمكة المكرمة والمشاعر المقدسة .. لكن بعض الجهات لم تلتزم بذلك ، مضيفاً أن المخطط الشامل لمكة المكرمة والمشاعر المقدسة المعتمد من المقام السامي وضع عدداً من المحددات البيئية ومن ضمنها المحافظة على جبال مكة المكرمة ووضع معايير محددة للتعامل معها عند تنفيذ المشاريع أو بناء المساكن عليها وبدلاً عن ذلك مازالت أغلب مشروعات الطرق والمباني بعيدة عن هذه المعايير في ظل ضعف فعالية الجهات المسؤولة عن تنفيذ المخطط الشامل ..

وأكد م.شقدار أن مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة رئيس هيئة تطوير مكة المكرمة والمشاعر المقدسة صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل قد وجه مراراً وتكراراً كل الجهات المنفذة للمشاريع العامة والخاصة بالالتزام بمخرجات المخطط الشامل ، لكن فيما يبدو للناظر أن الجهات التنفيذية لا تراعي هذه المخرجات ولا تنفذها على الطبيعة ..

وأشار م. شقدار إلى أن المقام السامي سبق أن وجه بتشكيل لجنة إشراف من الجهات المختصة لدراسة موضوع إزالة وتفجيرات الجبال في مكة والآثار البيئية المترتبة على ذلك ، وأنا بدوري كمختص أتساءل أين هذه اللجنة ؟ بل أين تفعيل مخطط مكة المكرمة الشامل ؟؟ وتابع قائلا : لا يخفى على كل مسلم أن الله عز وجل جعل الجبال “رواسي” للأرض تحميها من الاهتزازات والزلازل كما جاء في القرآن الكريم .. كما أن الشرع حدد للبلد الحرام مكة المكرمة حدود اختص التعدي على طبيعتها وأهلها بالتحريم عن غيرها من المدن ، وحدد معايير شرعية للتعامل مع كل المخلوقات فيها من شجر وحجر وحيوان وإنسان ، منوهاً أنه لا يوجد أدنى شك بأن لإزالة جبال مكة آثار بيئية سلبية لا تحصى ومن أهمها أن نوعية تركيبة معظم جبال مكة من حجر الجرانيت المشع ، وتزداد نسبة الإشعاع الضار منه على المحيط البيئي لمكة عند تفجير هذه الصخور ، إضافة إلى أن تعديل الطبيعة الطبوغرافية يؤدي بالضرورة للتعديلات المناخية مثل حركة الرياح وقوتها وكذلك نسبة التلوث البيئي الهوائي بمكة المكرمة ..
و تقول هناء عبد الله حميدان منسقة مبادرة مكة المحمية الربانية ـ تحت التأسيس ـ : إن الجهة المخولة بالقول أن هذه الجبال تزال أم لا و التي تمنح التراخيص هي أمانة العاصمة المقدسة ، ويفترض أن يكون لهيئة المساحة الجيولوجية ورئاسة الأرصاد وحماية البيئة دور في ذلك. لكن الظاهر أن الجهة ذات الصلاحية هي أمانة العاصمة المقدسة، والخطورة هي إزالة بعض الجبال بعشوائية ؟  ولا أدل على ذلك مما يجري حاليا من استمرار ازالة جبال وادي إبراهيم رغم ثبوت الضرر على البيئة ورغم وجود دراسات صادرة عن هيئة المساحة الجيولوجية تثبت ذلك، وبرغم وجود معايير معتمدة من رئاسة الأرصاد وحماية البيئة تمنع إزالة هذا النوع من الجبال والمرتفعات الأرضية لضرره على البيئة. ولكن ما يجري في الواقع ان المشاريع التطويرية لها الأولوية وبمجرد اعتماد التصاميم تنفذ دون مراعاة لمعايير البيئة والسلامة، ويتم التحجج بأن لمكة خصوصية لا تسمح بتطبيق المعايير على مشاريعها.
تمدد عمراني بلا رشد !
وتضيف الحميدان أن المخطط الشامل الذي أعُدَّ بناء على دراسة أجراها عدد من الخبراء من شركات دولية إلى جانب خبرات أكاديمية وطنية أوصى بالمحافظة على البيئة وخصوصا الجبال والاعتناء بسفوح الجبال وتشجيرها للسماح بالترسيب الطبيعي لمياه الأمطار بهدف تغذية المخزون الجوفي وزيادة المساحات الخضراء. لا يمكن أن نجد أبداً مخططا شاملاً أعده خبراء متخصصون يسمح بإزالة الجبال في منطقة مهمة كما في حالة مكة المكرمة لأن الخبراء أدرى الناس بضرر ذلك على البيئة والموارد الطبيعية وآثاره ؟! علماً بأن مخطط مكة الشامل الذي اعتمد قبل سنوات قليلة حُفظ في الأدراج ولم يطبق على أرض الواقع مؤكدة أن ما يجري الآن من تمدد عمراني على حساب الجبال يتم بدون الاسترشاد بأي مخطط شامل ويحفزه الرغبة في استثمار المنطقة القريبة من المسجد الحرام لبناء الأبراج وتوسيع مساحتها على حساب البيئة وسلامة الناس وراحتهم.

 

التفجيرات مستمرة برغم أضرارها البيئية ؟!
وتضيف حميدان : صدر قرار قبل مدة بمنع تفجير الجبال في مكة بعد ثبوت أضراره وتسببه في تحفيز النشاط الزلزالي،  وتم الاستعاضة عن استخدام الديناميت لتفجير الجبال بمادة تؤدي لإذابة الصخر وتفتيته ليسهل تكسيره، ولكن التفجيرات ما زالت متواصلة حتى الآن ولم تتوقف وهذا يعني أن المنع شكلي  مؤكدة أن الآثار البيئية المثبتة والمتوقعة كثيرة منها التأثير على المخزون الجوفي للمياه ولهذا الجانب أهمية كبيرة بالنظر إلى أن جميع الجبال المحاذية لامتداد وادي إبراهيم في مكة المكرمة تؤثر بشكل مباشر على تغذية المخزون الجوفي لحوض ماء زمزم المبارك وأثبتت الدراسات الحديثة أن هذا الحوض الجوفي الطبيعي يتغذى من ترسيب مياه الأمطار في وادي إبراهيم، وتتسرب مياه الأمطار عبر طبقة ( الألوفيوم ) في سفوح الجبال وعبر الصدوع حتى تستقر في الحوض المائي وتنقل عبر الصدوع الصخرية الطبيعية إلى أن تصل إلى بئر زمزم وتقع مصبات البئر على عمق أقل من 14 متراً من حافة بئر زمزم أي أنها قريبة جداً من سطح الأرض، وإزالة الجبال في هذه الحالة تسبب الضرر من أكثر من ناحية : فهي تؤدي لتهشيم الصدوع الصخرية التي تنقل الماء وبالتالي يتبعثر جريان المياه وينحرف عن مساره الطبيعي، ثم إن إزالة الجبال تتم بغرض البناء مكانها وهذا يعني تغطية الطبقة الطبيعية التي تسمح بنفاذ الماء إلى باطن الأرض، وأيضاً يتطلب البناء إنشاء أساسات عميقة فتصبح هذه الأساسات كالسدود التي تحصر المياه الجوفية وترفع منسوب المياه السطحية الملوثة بالصرف الصحي وغيره من الملوثات العضوية والصناعية والمعدنية فتختلط بالمياه الجوفية المغذية للآبار وتلوثها، فضلاً عن تأثير انحصار المياه الذي يرفع احتمالات حدوث هزات أرضيه بسبب ضغط المياه. ومن المخاطر الأخرى المثبتة أن تكسير وتفتيت الصخور الجرانيتية يؤدي إلى انبعاث غاز الرادون وهو غاز مشع سام جداً ويسبب مخاطر شديدة على صحة الناس والكائنات الحية سواء بانتشاره في الهواء المحصور أو بذوبانه في المياه التي يستهلكها الناس، ووجدت دراسة أجراها الدفاع المدني في مكة المكرمة قبل مدة أن تركيز غاز الرادون في أنفاق المنطقة المركزية مرتفع ونُشر خبر صحفي عن هذا الموضوع، وتشكل الصخور الجرانيتية أغلب جبال مكة وخصوصا جبال وادي إبراهيم. وتفجير الجبال يحفز النشاط الزلزالي.
تلوث الهواء وضرره على الإنسان
وتضيف حميدان قائلة : إلى جانب تلوث الهواء بالغبار نتيجة أشغال تفتيت الصخور المستمرة، وهذا الغبار يحوي جسيمات عالقة متفاوتة الأحجام منها ما هو صغير بحجم 10 ميكرون فأقل، ويكمن ضررها على صحة الإنسان لأنها قابلة للاستنشاق مع الهواء وتتسرب عبر الشعب الهوائية وتضر بصحة الإنسان، وهي تسبب تهيج الجهاز التنفسي والتهاب الأغشية المخاطية وضيق التنفس والصداع وإلتهاب العين، وقد تعمل كناقلات لمواد سامة ومسرطنة إذا كان منشأ الغبار من صخور أو ركام يحوي مواد سامة، كما تؤثر على المصابين بالأمراض التنفسية المزمنة كالربو وانتفاخ الرئة، وقد تسبب تغيرات في أجهزة الجسم الدقيقة، خصوصاً الأجهزة المناعية.
تغير سرعة وإتجاه الرياح
وتشير حميدان إلى أن لإزالة الجبال تأثير على المناخ المصغر ويؤدي لتغير شدة الرياح واتجاهاتها ويضاف لذلك سوء تصميم الأبراج التي تبنى بعد إزالة الجبال فتعمل كمصدات للرياح تكثف شدتها عبر الفراغات ولعل أدل شاهد على هذه النقطة ما جرى للأسف في حادثة الرياح التي أدت لسقوط رافعة في الحرم وراح ضحيتها مئات الحجاج والمصلين، ويلاحظ من التسجيلات المصورة التي انتشرت عن الحادثة أن الرياح كانت تدفع بالمارة من قوتها بسبب تكثيفها الناتج عن انحصار رياح شديدة بين فراغات الأبراج والمعلوم أن الرياح في مكة المكرمة شمالية وشمالية غربية وجنوبية غربية ووجود الجبال والمرتفعات يساهم في تخفيف شدة هبوب الرياح عليها، لكن إزالة الجبال وبناء الأبراج تسبب في تغيير المناخ المصغر في المنطقة المركزية وساهم في تقنين مرور الرياح عبر الفراغات وتكثيف شدتها وقت العواصف ومنع حركة الهواء الطبيعية اللطيفة وقت هدوء الجو، بينما كانت الجبال الطبيعية تساعد في توزيع الرياح وتلطيف الحرارة وتجديد الهواء في طبقات الجو القريبة من الأرض وهذا له دور كبير في تنظيف الهواء الملامس لسطح الأض من ملوثات عوادم السيارات وغيرها من ملوثات الهواء الناتجة عن ازدحام الناس، أما الأبراج التي حلت محل الجبال فهي تمنع تجديد الهواء وتساهم في زيادة حرارة الجو.
وترى حميدان أنه يجب إيجاد هيئة عليا تتصف بالنزاهة والشفافية وتملك صلاحية الاستعانة بالدراسات العلمية وآراء الخبراء وفرض تطبيق معايير حماية البيئة ومنع الترخيص إلا للمشاريع المستوفية للشروط البيئية وشروط السلامة فهذا كفيل بأن يحل مشاكل التوسع العمراني الضروري فمن خلال المعايير والقوانين الصارمة يمكن اختيار أنسب المواقع لإقامة المشاريع وتحديد الاشتراطات والمواصفات دون الإَضرار بالبيئة ومواردها الطبيعية التي لا تقدر بثمن ودون إهمال متطلبات الصحة والسلامة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى