لُجة الأيقونات
منطق الطير: “وطننا هو العالم بأسره، وقانوننا هو الحرية، لا ينقصنا إلّا الثورة في قلوبنا”- (داريو فو)
أرشد الله سبحانه وتعالى قريش -ومن خلالها كل العالمين- لعبادته وشكره على نعمتين أنعمهما عليها في قوله: (الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ)، فالإنسان بمقدوره أن يتخلى عن كثير من الحاجيات والكماليات فترة من الزمن تطول أو تقصر، ويتكبد بصبر وجلدٍ عددًا من النوائب والابتلاءات والأوجاع، لكنه مجبول على عدم القدرة على العيش فترة طويلةً جائعًا أو خائفًا، فإن كان الجوع يفتك بجسد الإنسان ويتسبب في هلاكه حالاً، فإن الخوف فتاكٌ بالنفس معجل في فناء الجسد ولو بعد حين.
إنني لن أتحدث عن الوطن بمفهومه “القُطري” المستحدث، ذلك أن تلك الأوطان وإن عظُم حبنا لها واستماتتنا في الدفاع عنها، والعيش لرفعتها والموت في سبيل حريتها، تظل أوطانًا متشكلةً ناشئة، لم تكن بالأمس القريب ولا ندري ما ستكون عليه في الغد البعيد، لكنني أتحدث عن الوطن بمفاهيمه الفلسفية العميقة، إذْ إن سكون وولاء الشخص وانتماءه لا ينبع عادةً من الرقعة الجغرافية فحسب؛ ولا بالارتباط العاطفي والوجداني مع متساكني المكان، وإنما يمتد ليقترن مع الإيمان المتأصل بفكرة الانتماء والوجود.
إن العالم وهو يتجاوز مفهوم (القرية الصغيرة) بفضل سيرورة التواصلية والتفاعلية، ومساحة التشابكية بين متساكنيه، ليعصف بكثير من المسلمات والخيارات، وعدد لا بأس به من المفاهيم والقناعات، ويتيح فُرصًا عديدة لإعادة تقويمها وتشكيلها، ولو بدا ذلك في صُور عديدة مرتبكًا ومتعثرًا من خلال الممانعة أو التمنع!!، والوطن الصغير (القُطري) أو الكبير (الأيدلوجي) لا شك أنه غير محصن من ذلك العصف الذهني والتطور السُنني، أكان محاولات لإعادة التشكيل أو مقاومةً للاندثار.
إذًا نحن أمام منعرج مصيري والعالم يتباعد حد التلاشي ويقترب حد الاندثار، لا يتعلق بمسألة الانتماء إلى الأرض ويتجاوز الركون إلى المشاعر المشتركة، ويشكك في حقيقة الارتباط العَقدي، بل وينسف نظريات المصير المشترك (المحدود)، ليعيدنا إلى مربع الفكرة الأولى، إلى حقائق انتماء الإنسان لآدميته، وارتباط مصيره بخدعة (شجرة الخلد)!!، إذْ لا يُتصور أمن الفرد والعائلة والقبيلة والقُطر والمنطقة وأي منظومة وحدوية على أساس أيدلوجي أو مصلحي إلاَّ بأمن الإنسانية وسلامة الكون.
خبر الهدهد: براقش!!!
عبد الحق هقي
رائع جدا