بين الحين والآخر يطالعنا خبر عن تحقيق أحد علمائنا لسبق علمي، أو تكريمه من أحد الشخصيات المرموقة أو الجهات المهمة، ونقف على خبر عن احتفاء دوائر الإبداع في الخارج بأحد مبدعينا ونيله لجائزة رفيعة، فنتساءل: أين كان هؤلاء؟! ولماذا لم نعرفهم حتى حصلوا على هذه المراكز المتقدمة؟! ولماذا لم يذكرهم إعلامنا إلا بعد أن احتفى بهم الآخرون؟!
ونبحث عن هؤلاء العلماء والمبدعين في صفحات صحفنا، وشاشات قنواتنا، وأثير إذاعاتنا؛ فلا نكاد نجد لهم وجوداً، بينما نجد في المقابل أن إعلامنا قد أفرد مساحات واسعة لشخصيات لا تقدِّم علماً نافعاً، ولا إبداعاً متميِّزاً، باستثناء القليل من أجهزة الإعلام الهادفة.
وإذا اهتم هذا الإعلام – إلا من رحم الله تعالى – بالعلماء والمبدعين فإنه لا يهتم بهم إلا بعد أن يحتفي بهم إعلام الدول الأخرى، حينها يُضطر لنشر أخبارهم مختصرة مبتورة، كأنه يؤدي واجباً ثقيلاً أُجبر عليه، أو يحاول أن يدفع عنه حرج الإهمال المتعمد لهذه القامات العلمية والإبداعية السامقة!
وفي المقابل، يفرد إعلامنا مساحاته الشاسعة لنجوم زائفة، لا تستحق أن تكون قدوات، لا على مستوى العلم والإبداع، ولا حتى على مستوى الفكر والأخلاق! ويتابع تفاصيل حياتهم ودقائق أخبارهم أولاً بأول!
وإذا سألت أحد العاملين في الإعلام محتجاً على هذا المنحى الغالب على إعلامنا، تعلَّل بأن الجمهور يريد مثل هذه الشخصيات وهذه الأخبار، مما يدفع بسؤال بديهي: هل مهمة الإعلام أن يرفع مستوى أذواقنا ويرتقي بها، أم ينحط بأذواق الناس ويجاريهم فيما يطلبونه؟! وبمعنى آخر: هل هو إعلام رسالي هادف، أم إعلام متلوِّن، يميل مع كل من مال، ويتبع كل ناعق؟!
ولماذا لا يبادر إعلامنا، فيسهم في صناعة النجوم وتقديمها للناس؛ حتى يوسِّع مساحات التفاؤل وشحذ الهمم في مجتمعماتنا، بتسليط الضوء على علماء ومبدعين حقيقيين، أو يُتوقع أن يصبحوا مستقبلاً أعلاماً وقامات في سُوح العلم والإبداع، وذلك بتعريف الناس بهم، وسرد قصص نجاحهم، وكيف صنعوها، والتعرُّف على العراقيل والعقبات التي واجهتهم، وكيف تغلبوا عليها وتجاوزوها، بدلاً من أن يملأ أسماعنا وأبصارنا بأخبار شخصيات تسلقت سلم النجومية والشهرة في غفلة من الناس!
رجاءً إعلامنا! كفّ عن إبراز التافهين والتافهات، والسخفاء والسخيفات، والخائبين والخائبات، والفاشلين والفاشلات، ممن لا خلاق لهم في العلم ولا في الإبداع ولا في السلوك، وتقديمهم على أنهم نجوم؛ ابتغاء الكسب السريع والربح الرخيص؛ فهم نجوم زائفة، سُرعان ما يخبو ضوؤها ويبدو زيفها.
وقدِّم لنا في المقابل النجوم الحقيقية الباقية وما ينفع الناس ويفيدهم في دينهم ودنياهم، قال تعالى: ( فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً ۖ وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ ۚ كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ) [الرعد: 17].
علي صالح طمبل
مقال فريد من نوعه وجميل