المقالات

سيسي ومرسي

همسات الخميس

        اتسع الخلاف بينهما حتى تركها إلى غرفة مهجورة أعلى الدار، هانت عنده فاعتزلها، وهان عندها فلم تهتز لها شعرة، لم يقلقهما أبدا أن يفترقا بعد عشرة أنجبا خلالها حشدا من الأبناء والأحفاد والأسباط، كلاهما على حق فالعقيدة السياسية فوق كل شيء، فوق الأبوّة والأخوّة والعشرة والجيرة والعيش والملح فقد تشربا لسوء حظهما قول شوقي: قف دون رأيك في الحياة مجاهدا.

        ذلك الثمانيني الطيب كان مع السيسي، وكان يقول: مرسي رغم جبهته التي تبدو وكأنها صفحة رسم بياني إلا أنه لا يصلح أكثر من معلم لمادة الاملاء في مدرسة نائية، وزوجته السبعينية الطيبة كانت مع مرسي، وكانت تقول: إن خنافر السيسي الململمة لا تصلح إلا لمعلم تربية رياضية في مدرسة نائية.

        قال الراوي: يا سادة يا كرام يا أفاضل الأنام، هذا ما كان من أمر الثمانيني وزوجته السبعينية، أما ما كان من أمر ابنائهما فقد بلغ بهم الهم حدّ الخبَل، ترى الواحد منهم تائه النظرات فاتحا فمه كأنه علبة كَبَك، غير أنهم ما لبثوا أن استجمعوا قواهم فأنشأوا مجموعة في واتس أب تكون للعائلة دون الأبوين، لما سيطرح فيها من آراء تتطلب سقفا عاليا من الحرية، وتجنبا لإغضاب أي منهما فإن التصدي للفصل بين الأبوين شأن غير محمود العواقب.

        من بين الآراء التي طُرحت أن يتنادى الجميع لسهرة عند الأبوين، فيقوم كبيرهم بسرد قصة من قصص القرية في أيامها الغابرة عندما كان أحد شبابها يترك بيت عمه الذي نشأ فيه يتيما ويذهب لمساعدة زوج خالته في مزرعته فإذا أراد قضاء الحاجة خفّ سِراعاً إلى حمّام عمه حيث لا حمّام يومها إلا عنده، وذات يوم أمسك به عمه عند باب الحمام فشد أذنه حتى كاد أن ينتزعها من منبتها وهو يقول: “نَفْعَتُكَ لِخَالتِكَ وَضَفْعَتُكَ لنا؟

        ومع قناعة الإخوة بأن العلاقات السياسية التي تدني هذا وتبعد ذاك هي شأن لا يخص الأفراد، والمحبة والولاء لا تكون لأحد خارج الوطن، إلا أن الفكرة رُفِضت لما فيها من القمع الذي قد يكون مطلوبا إذا عَمي الرأي لكنه مع الأب والأم لا يصح والله تعالى يقول: “فلا تقل لهما أفٍّ”.

        استقر الرأي على اصطحاب أصغر حفيد للثمانيني وسبعينيته، وبحضورهما تُعْرض صورتا السيسي ومرسي على الطفل وأي صورة يختارها ينحاز لها الجميع، ضحك الخُبْثُ في داخل الجد فهو يعرف نفور حفيده من شعر الوجه، وضحك الخُبْثُ في داخل الجدة فهي تعرف أن حفيدها يحب النظارات، لكن الطفل بعد أن تأمل الصورتين عبس وبسر ثم مال حبْواً نحو المطبخ.

 محمد بن ربيع

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى