(مكة) – عبدالله الزهراني
خلبت الجزيرة العربية لب الكثير من الرحالة الغربيين ، ومن المعروف أن الرحالة الغربيين قد دخلوا الى الاراضي المقدسة تحت أسماء إسلامية،ولعل اولهم هو لودفيك فارثيما أو(بارثينا الذي اطلق على نفسه إسم الحاج يونس المصري)، وهو ايطالي دخل مكة المكرمة عام (١٥٠٣م)، وقد نشرت اخبار رحلته أولاً في ميلانو بإيطاليا عام ١٥١١ م، ثم ترجمها(ريتشارد إيرن) الى الانجليزية عام ١٥٥٥م ، ونشرها في لندن، ثم اعاد ترجمتها ج.و. جونز ونشرتها جمعية هاكليوت بلندن عام ١٨٦٣م. بعنوان “رحلات لود فيكو دي فارتيما في مصر وسوريا والجزيرة العربية الصحراوية والعربية السعيدة ثم في بلاد الفرس والهند وأثيوىبيا مابين ١٥٠٣-١٥٠٨م وقد ترجمت إلى الله العربية بعنوان “رحلات فارتيما -الحاج يوسف المصري”.
ويتضح من سياق قصة رحلته حسبما أوجزها “أغسطس رالي” أنه غادر دمشق في ١١ إبريل مع قافلة الحج الشامي إلى المدينة المنورة ، ومنها إلى مكة المكرمة حيث وصلها بعد أربعين يومًا تقريبًا ، ودخلها في 18 مايو. لكن مضاهاة هذا التاريخ بالجداول الفلكية تؤكد أن رحلته العاجلة إلى الأراضي المقدسة كانت عام 1504م وليس 1503م كما يتبادر من الرواية، وبذلك يتضح أنه دخل مكة المكرمة في الثالث من شهر ذي الحجة عام 909هـ (18 مايو 1504م) وغادرها بعد عشرين يومًا أي في الثالث والعشرين من شهر ذي الحجة (7 يونيو 1504م). وقد دهش فارثيما لكثرة الناس ووفرتهم خلا لموسم الحج ، وقدر منازل مكة المكرمة بستة آلآف منزل، إلا أن وصفه لمكة المكرمة والحج لا يدلان على جديته، وهناك آيضًا قصة مملوك ألماني يدعى (جوهان وايلد) جاء مع سيده إلى مكة المكرمة عام1015هـ (1607م)، لكن قصته لا معنى لها وغير دقيقة، وقد نشرت عام 1022هـ (1613م) في ألمانيا. وفي عام 1050هـ (1607م) صدر كتاب يحكي قصة الفرنسي ٍ(فنسنت لابلانك) الذي زعم انه زار مكة المكرمة عام 975هـ (1685م)، ولكن القصة تبدو غير واقعية. وتلا ذلك الإنجليزي (جوزيف بيتس) الذي استعبد في الجزائر، ثم زار مكة المكرمة مع سيده عام 1090هـ (1680م) وقد وصلها في رمضان وظل بها أربعة أشهر. وبعد ذلك أعتقه سيده، لكنه ظل معه في طريق العودة إلى الجزائر، ثم عاد إلى إنجلترا عام 1104هـ (1693م)، ليروي قصته في الأسر ورحلته إلى مكة المكرمة. وقد صدر كتابه عام 1116هـ (1704م) بعنوان (قصة حقيقية ومخلصة للديانة والأخلاق المحمدية).
ومن الواضح أن كل من زار مكة المكرمة من الأوروبيين حتى ذلك الوقت لم يكن على درجة من العلم والثقافة، لذلك تزخر قصصهم بالخيالات، ولا تضم أي رسومات. ثم رأس كارستن نيبور – وهو مستشرق دنمركي شهير – بعثة علمية إستكشافية إلى البلاد العربية، و وصلت البعثة إلى جدة، ومكثت فيها حوالي شهرين في الفترة من أوائل ربيع الآخر إلى أواخر جمادى الآخرة 1175هـ (آخر اكتوبر إلى أوائل ديسمبر 1762م) ثم توجهت البعثة بعد ذلك إلى اليمن. وقد أصدر نيبور كتابه الأول بالألمانية عام 1186هـ (1772م) ثم ترجم إلى الفرنسية والإنجليزية بعنوان (وصف بلاد العرب). وفي الكتاب رسمان دقيقان بدرجة مدهشة للحرمين المكي والمدني. وبما أن البعثة الدنمركية لم تعلن إسلامها ولم تدخل إلى الحرمين، فإن ظهور هذه الرسومات التي لايعرف على وجه التأكيد مصدرها الحقيقي وتؤكد وجود مصدر سابق لها، وكما سبق أن أوضحنا في حالة رسمتي أوبسالا ودوسون، فإن المرجح أن نيبور حصل على رسومه من رساميين مسلمين.
وقد ظهرت بعد ذلك رسومات تقتفي أثر رسمة أوبسالا والرسمة التي نشرها دوسون أو التي نشرها نيبور. ومن ذلك الرسم الموجود في المتحف البريطاني للحرم الشريف تحيط به مساكن مكة المكرمة، والمشاعر، وقد رسمه المستشرق النمساوي اندرو ماجنوس هنجلينجر Hunglinger عام 1217هـ (1803م) ونلحظ أن المذكور لم يقم بزيارة الأراضي المقدسة، ويبدو أنه استوحى رسمه من رسمة دوسون سابقة الذكر، بطريقة مختلفة قليلًا، حيث عدل خط الجبال المحيطة بالمسجد الحرام، وأعاد ترقيم المواقع في الرسم. وهناك رسم آخر للحرم المكي الشريف يقتفي أيضًا أثر الرسومات الإسلامية، وقد ظهر في كتاب The last Two Million Years عام 1401هـ (1981)م، الصادر عن مؤسسة (ريدرز دايجست) الأمريكية.