عبدالحق هقي

بناء ثقافة التقشف!!!

لجة الأيقونات

منطق الطير: “إن درجة السلّم ليس هدفها أبدًا أن يستقر المرء عليها، بل لتمسك قدمه لوقت يكفي لأن يتمكن من الصعود درجة أعلى بقدمه الأخرى”- توماس هاكسلي

          لن أتحدث في هذه المقالة عن إجراءات التقشف التي اتخذتها عديد الدول العربية بعد تهاوي أسعار النفط كإجراءٍ آني ووقائي، والتي كشفت للأسف عن سوءاتنا وخيبتنا “الاقتصادية” ومشاريعنا الوهمية، وهي جزء أصيل في منظومة من الخيبات المتكاملة!!،  ولن أتحدث أيضًا عن كيفية مواجهة تلك الإجراءات بالنسبة للأفراد، فما يعنيني هو بناء ثقافة مستمرة تتجاوز تقلبات الظروف وآنية الصُرُوف، وعقلية تُجبل على أن أمن الغذاء والكساء لا يقل أهمية عن أمن النفوس.  

          لقد أسهمت الذهنية الاستهلاكية المكرسة كنتيجة للوفرة المالية بعد تَساقُط دولارات النفط على تزييف عقلية العربي، فلم يركن للإنفاق حد البذخ فحسب-فتلك مسألة آنية مؤقتة يمكن تجاوزها طواعية أو إرغامًا من قبل الظروف-، بل تعدته إلى تَسرب الكسل والخمول وبغض العمل ونمو ثقافة العيب، والاستسلام للوظيفة وهجر كثير من المهن الحرة البسيطة والتي تُسهم تراكميًا لا في تحسين دخل الفرد ورفد الاقتصاد الوطني فحسب، بل وفي تعزيز الأمن والاستقلال الاقتصادي.

          إن أول ما يُفكر فيه الفرد العربي للأسف حيال الأزمات المالية الشخصية أو المجتمعية، هو مراجعة نمط إنفاقه!!، وإن كان ذلك قد يكون مطلوبًا بشكل أو بآخر، فإنه ليس حلاً على الإطلاق لا في المدى العاجل ولا الآجل، فهو أشبه بِمُسكن ضعيف يخدر الجسم فترة من الزمن ليعاوده الألم، ويُسهم بتعدد الجرعات إلى تعايش الجسد مع المرض بدل علاجه؛ لذا فإن سياسات التقشف الخاصة أو العامة لا تغدو إلاَّ مجرد حيلة عاجزة لتجاوز مأزق كبير يتطلب اجتيازه وعيًا وإرادةً وحلولاً ابتكارية.

          قد يتعجب البعض إن قلت أن بناء ثقافة التقشف لا تعني مطلقًا تقليل النفقات وترشيد الاستهلاك!!، بل لن أبالغ إن قلت أن بناء تلك الثقافة قد يتأسس بالحث على زيادة الإنفاق المشروط بعدم التبذير والبذخ من جهة، والعمل على زيادة المداخيل من جهة أخرى؛ أي بمعنى آخر تنويع مصادر الدخل من خلال المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وإحياء الحِرف والمهن المتلاشية، وتعميم ثقافة الإنتاج داخل الأُسر وفي المدارس والمؤسسات الأهلية والجمعوية..،  وإحلال تلك المنتجات محل ما غزا أسواقنا من سلع باهظة الثمن ورديئة الجودة.                           

خبر الهدهد: الحِلْوة والحلوى..

عبدالحق الطيب هقي

 

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. موضوع في غاية الروعة
    ما شاء الله عليك اخي ابو ليلاس
    ابداع في الطرح وجرأة في العطاء ??

    الله يوفقك ويحفظك و جزاك الله كل الخير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى