(مكة) – متابعة
توجه الآلاف من الإيرانيين إلى مقبرة منسوبة للملك قورش مؤسس السلالة الأخمينية في إيران للطواف حولها بمناسبة “اليوم العالمي لقورش”، وهو يوم لم تعترف به أي من المؤسسات الدولية.
وكان من المقرر أن يبدأ الطواف رسميا – الذي يشبه الطواف حول الكعبة المشرفة – السبت 29 تشرين الأول/أكتوبر، ولكن الآلاف من الزائرين استبقوا الموعد، وبدأوا في الاحتشاد يوم أمس الجمعة رافعين شعارات قومية فارسية.
ومن الشعارات المعادية للعرب التي أطلقت في هذا الطواف: “يقولون كل شيء بيد الله ولكن كل البلاء من العرب” و”نحن آريون لا نعبد ما يعبده العرب”.
وخلافاً للسابق، لم تمنع السلطات هذا التجمع، ما جعل المراقبين يعتقدون بأن النظام الإيراني بحاجة لأي وسيلة تحشد الجماهير لصالح توسّعه في العالم العربي، خاصة أن مثل هذه التجمعات القومية تعبر عن نزعة معادية للعرب الذين يتهمهم القوميون المتعصبون الفرس بإسقاط آخر امبراطورية فارسية في عام 651 ميلادي، عندما حاول آخر ملوكها يزدجرد الثالث محاربة الخلافة الراشدية المبكرة لمدة 14 سنة.
إيران تدخل الإسلام
وبعد الإسلام، خلافاً لمزاعم القوميين الفرس، دخل رعايا الإمبراطورية الفارسية الذين كان أغلبهم من غير الفرس الإسلام وظهر منهم رجال في الدين والعلوم والفلسفة وحتى الأدب العربي وتركوا بصماتهم في هذه المجالات ليس لأنهم كانوا أذكى من غيرهم بل لأن الخلافات الإسلامية العربية سمحت للجميع التعليم والتعلم خلافاً للإمبراطورية الساسانية التي كان التعلم فيها حكراً على ثلاث طبقات فقط وهي الأسرة المالكة (شاه زادگان) ورجال الدين الزرادشتيين (موبدان) وكبار قادة الجيش (أسواران).
أما طبقتا الحرفيين (پیشه وران) والفلاحین (برزیگران) الذين كانوا يشكلون أغلبية الشعب فقد حرموا من التعليم.
وكان الإيرانيون أغلبهم على مذاهب السنة إلى أن جاءت السلالة الصفوية، حيث فرضت المذهب الشيعي بقوة السيف على الشعوب في إمبراطوريتهم، في حين انتشر التشيع العربي بالدعوة في معاقله العربية ولم تكن دولة عربية شيعية لتفرضه على رعاياها وهنا يكمن الفرق بين التشيع الصفوي والتشيع العربي.
أضرحة ومزارات ومقامات
ومنذ مجيء الصفويين كثرت الأضرحة والمزارات والقبور التي تم إضفاء القدسية عليها. ومع تأسيس الدولة المذهبية بعيد الثورة التي أسقطت الدولة الشاهنشاهية القومية الفارسية في عام 1979 تؤكد دراسات موثقة أن عدد هذه الأضرحة والمزارات كانت حوالي 1500 ضريح ومزار.
ولكن خلال العقود الثلاثة الماضية زاد عددها ليبلغ 10 آلاف و500. وهنا يُقصد الأضرحة والمزارات المسجلة رسمياً، في حين ثمة مزارات غير مسجلة بلغت 8000 ضريح، لو قورنت هذه الأرقام بالأضرحة والمقامات والمزارات في العراق الذي يعد معقل التشيع العربي، فإن أضرحة إيران تزيد عن مثيلاتها في العراق أضعافاً مضاعفة.
حالياً، حيث هناك ردة فعل في إيران تجاه قساوة الحكم المذهبي، فإن ذلك تسبب في نمو النفور من الدين ورموزه خاصة بين فئات واسعة من الطبقة الوسطى الفارسية، وبالمقابل تتجه هذه الفئات نحو الرموز القومية الفارسية، وخاصة قبور الملوك وبالأخص الملك الأخميني الذي يعتبره الفرس المؤسس الأول للإمبراطورية الإيرانية التي سيطرت على مساحات واسعة من الشرق الأوسط بعد سقوط بابل، قبل حوالي 2500 عام.
يذكر أن النزعة القومية الفارسية التي تحاول تقديم إيران كبلد فارسي يواجهها توجه قومي بين الشعوب غير الفارسية الذين يشكلون حوالي 60 بالمائة من السكان في إيران كالعرب والترك الآذربيجانيين والكرد والتركمان والبلوش والجيلك والمازيين واللور والطالش.
يوم قورش.. والفبركة
وبما أن النظام في طهران يتدخل في كل من العراق وسوريا ولبنان واليمن وكلها دول عربية بغض النظر عن المذاهب فيها، ويتبنى استراتيجية إعادة الإمبراطورية الفارسية القديمة لصالح مشروعه “الشيعي الإيراني” وأبرز فصوله بلوغ شواطئ البحر الأبيض المتوسط، فإنه لا يريد أن يفقد أدوات حشد وتعبئة الجماهير لذا يسمح لهذه التجمعات الحاشدة للقوميين الفرس حتى لو كانوا أداروا ظهورهم للدين والمذهب.
وبمراجعة جداول كافة المؤسسات الدولية التي تخصص أياماً للاحتفاء بشخصيات عالمية لن يصادف فيها يوم تم تخصيصه لتكريم الملك الأخميني قورش، ولكن في إيران يروج لهذا تحت عنوان “يوم قورش العالمي”، ويروج له من خلال المئات من مواقع التواصل الاجتماعي على أساس أن الأمم المتحدة هي التي خصصت يوم 29 تشرين الأول/أكتوبر لهذه المناسبة، وهو ما تنفيه وثائق المنظمة الدولية.
فإلقاء نظرة سريعة على تقويم الأمم المتحدة ومنظمة اليونسكو لا نجد أي ذكر ليوم قورش في قائمة الأيام الدولية.
ولكن رغم هذا كله، بدأ منذ بضع سنوات الترويج لهذا اليوم في إيران ورفع البعض شعارات معادية للعرب أثناء تجمعهم حول القبر وصار من استبدلوا الأضرحة والمقامات والمزارات بقبر قورش، يطوفون حول هذا المزار القومي.
يأتي هذا بينما يؤكد الكاتب الإيراني ناصر بوربيرار في كتابه المكون من 12 مجلداً باسم “12 قرناً من الصمت” مقتل قورش في عام 529 قبل الميلاد في حروبه مع “الشعب السكائي” الذي كان يسكن آسيا الوسطى بين أوزبكستان وكازاخستان وتقودهم ملكتهم “تهمريش” ويطلق هيرودوت على هذا الشعب اسم “ماساجيت”.
ويتساءل الكاتب الإيراني “كيف يعقل نقل جثمان قورش من آسيا الوسطى إلى قرب شيراز في جنوب إيران”، في حين أن المسافة الجوية بين المنطقتين حوالي 2000 كلم، بالتالي فإن المسافة بينهما براً أطول بطبيعة الحال.