من أخطر مايعرّض الأمم للهلاك والفناء الجهل؛ ومن أكبر أسباب الجهل قلة الوعي، ونقص الإدراك فقلة الوعي أصبحت منتشرة في أمتنا العربية بل والإسلامية بشكلٍ غير مسبوق.
وقلة الوعي سبب في انقلاب المفاهيم؛ وهذا ما نُعاني منه اليوم فأصبحنا نتعامل مع كثير من أمور حياتنا بمفاهيم مقلوبة أو بقلب المفاهيم.
ولانريد الحديث عن كثير من الأمور التي أصبحنا نتعامل معها بطريقة المفاهيم المقلوبة، ولكننا سنتحدث عن:”التَّرْبِيَةِ المَقْلُوبَةِ”..
ولو تأملنا حالنا اليوم لوجدنا أننا نتعامل مع تربية أجيالنا بطريقة مقلوبة..كيف ذاك ؟!!
انظر حولك..استمع في المجالس..في المنتديات..في الندوات..في التجمعات العامة..في الشارع..في الإعلام..في الإعلام الجديد من وسائل التواصل الاجتماعي..في كل مكان..الكل أو لنقل الأغلبية الساحقة تتحدث عن:”النظريات التربوية الحديثة” عند الحديث عن التربية..!!! ونادرًا جدًا ما تجد شخصًا يتحدث عن أصل التربية ومنبعها الأساس..ومنهلها الأول..!!!!
ولو كتبت على محرك البحث “قوقل” النظريات الحديثة في التربية..لوجدت كمًا هائلًا من المقالات والروابط والصفحات التي تُنادي بتطبيق نظريات الغرب في التربية..!!! ولوجدت كمًّا من المنادين بتطبيقها أكبر ..!!! بل تستطيع أن تقول من “المطبلين” لها..!!! #عجبي ..!!!
أليس هذا انقلابًا في المفاهيم..؟!! لو تأملنا الأمر، وتدبرناه، وتعاملنا معه بعقلانية؛ لوجدناه انقلابًا واضحًا للمفاهيم؛ وذلك من جانبين:
— أولهما: أننا أخذنا بنظريات من صنع البشر، وتركنا ما أمر به رب البشر ..!!!!
— ثانيهما: أننا تعاملنا مع نظريات وبعضها فرضيات..سيأتي يوم يثبت عدم صحتها..أو سيأتي من ينقضها ويأتي بغيرها أي أنها عُرضة للتحول والتغيير في أي وقت، وتركنا الثابت والأصيل والصالح لكل زمان ومكان..!! فكيف نترك الثابت ونأخذ بالمتغير..؟!!! .
ياأيها المسلمون..ياأتباع محمد-صلى الله عليه وسلم- كيف نترك “التربية المحمدية”..!! كيف نترك ” التربية النبوية”..!! ونلهث خلف نظريات غربية في التربية..؟!! كيف نترك المنبع..ونذهب للمصب..؟! أليس هذا انقلابًا في المفاهيم..؟!!!
أيعقل أن نترك تربية جاء بها “المربي الأول” جاء بها مَنْ قال عنه الله تعالى:{ وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيم ٍ } (4) سورة القلم.. جاء بها من أخبر عنه ربنا -عز وجل- بقوله: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى} (3) {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} (4) سورة النجم.. جاء بها مَنْ أمرنا ربنا سبحانه وتعالى بأخذ كل ماجاء به،وترك كل مانهانا عنه:{وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (٤) الحشر…؟!!! أيعقل أن نترك كل هذا؛ لننادي بنظريات غربية لاتخفى علينا سيرة أصحابها..؟!!
أليس من انقلاب المفاهيم أن نؤمن إيمانًا قاطعًا بالنظريات التربوية الحديثة ونشكك في الأصول التي استقى منها بعض منظريها..؟!!! مع التحريف الذي حرفوه ليتوافق مع مايريدون..!!!
أليس من انقلاب المفاهيم أن نطبل لمن يتحدث عنها، ونرمي من يتحدث عن الأصل بالرجعية..؟!!
ألسنا منبع التربية؛ فكيف نأخذها عنهم..؟!!
أليست التربية النبوية من خرّجت..أبا بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، وعمر بن عبدالعزيز..؟!!
لكل من يصمون مناهجنا بالتخلف والرجعية..اقرأوا عن سيرة هؤلاء وعن فترة حكمهم.
أليست التربية المحمدية هي من خرّجت..”ابن النفيس”، و”ابن الهيثم”، و”ابن ماجد”، و”البخاري”، و”مسلم”..وغيرهم الكثير..؟!!!
لكل الذين ينادون بالنظريات الغربية..عودوا لسيرة هؤلاء؛ لتعرفوا أثر هذه التربية ودورها.
أليس اتباع التربية المحمدية الذين عم العدل والرخاء ديارهم حتى إنهم لم يجدوا من يأخذ الزكاة..؟!! .. أليسوا هؤلاء من نثروا الحب على رؤوس الجبال خشية أن تجوع الطير في خلافتهم؟!!
أليسوا هم الذين أهدوا ملوك “الفرنجة” “الساعة الدقاقة”..فظن الفرنجة بأنها سحر..؟!!
أليسوا هم من ملأ الأرض عدلًا وحكموا العالم قرونًا طويلة..؟!!
هذه هي التربية الربانية، هذه هي التربية المحمدية..التي ينادي الكثير من أبناء جلدتنا الذين يريدون نزع جلدهم والانضواء تحت جلد “الفرنجة”.. بتحييدها وتركها واستبدالها بالنظريات الغربية!!
ونحن لسنا ضد النظريات التربوية الغربية، بل ضد وضعها بديلاً لتربيتنا الأصيلة!!
فالمسلم الحق هو من يتمسك بثوابته وبعقيدته ولا بأس بأن يفيد من علوم الأمم الأخرى، “فالحكمة ضالة المؤمن” فخذوا من الغرب “التكنولوجيا”.. وما يتماشى مع عقيدتنا من علمهم، لكن ليكن أساس تربيتنا .. كتاب الله عز وجل .. وسنة نبيه..محمد صلى الله عليه وسلم “المربي الأول”.
وبعد كل هذا..ألا يعد هذا انقلابًا في المفاهيم..؟!!
أليست هذه تربية بصورة مقلوبة..؟!!.. بلى .. إنها: “التَّرْبِيَةُ المَقْلُوبَةُ”.
ساير بن عوض المنيعي-الرياض