المقالات

حلول الغضب الإلهي على داعمي قرار اليونيسكو

استمراراً لحالة الهستيريا والتخبط التي أصابت الكيان الصهيوني ومناصريه في جميع أنحاء العالم، على خلفية قرار منظمة العلوم والثقافة الدولية “اليونيسكو”، واصل الإسرائيليون على مختلف المستويات السياسية والثقافية تصريحاتهم الغاضبة ومواقفهم الشاجبة للقرار، مؤكدين رفضهم له وعدم قبولهم به، واستنكارهم الشديد لصدوره، وأنهم لن يسكتوا عن هذه الجريمة الأخلاقية الكبرى التي ارتكبتها إحدى مؤسسات الأمم المتحدة، وسيعملون على استئناف القرار ونقضه، لقناعتهم أنه قرارٌ باطلٌ وفاسدٌ، ولا يستند إلى حقائق تاريخية، ولا إلى مرجعياتٍ دينية، ويفتقر إلى الشفافية والعلمية والإنصاف.

وبعد التصريحات السياسية الغاضبة المستفزة، التي جاءت على لسان السياسيين ورجال الدولة، التي حاولت أن تحافظ على قدرٍ ولو ضئيل من اللياقة واللباقة الدبلوماسية، وإن جافتها أحياناً إلا أنها بقيت ضمن دائرة العرف السياسي، خاصةً أنهم كانوا يردون على قرار مؤسسةٍ أمميةٍ هم عضوٌ فيها، ويعترفون بمنظماتها وأنظمتها الداخلية، ويخططون للعودة إليها والاحتكام إلى هيئاتها من جديد، الأمر الذي يفرض عليهم احترامها وعدم المساس بأصل حرمتها، وإلا فإن كيانهم يفقد فرصة المراجعة القانونية والسياسية للقرار، إذا كانوا يرغبون في إعادة النظر فيه بما يحقق وجهة نظرهم وموقفهم الديني من مرجعية الأماكن المقدسة.

بعد أن ذهبت تصريحات السياسيين هباءً دون جدوى في أدراج الرياح، ولم تجد نفعاً محاولات إعادة التصويت على القرار، أو نقده والطعن فيه، جاء دور حاخامات إسرائيل الكبار ورجال الدين في الكيان وخارجه، ليدلوا بدلوهم، ويقولوا كلمتهم، ويعقبوا بطريقتهم، فبدو وكأنهم يتحدثون باسم الله سبحانه وتعالى، وكأنهم وكلاؤه على الأرض، وأحباؤه من بين الخلق، فادعو أن القرار قد أغضب الرب، وأنه استجلب السخط على صانعيه، الذين يستحقون من الله اللعنة والغضب.

استخدم الحاخامات والمتدينون في التعبير عن مواقفهم مفرداتٍ غريبةٍ وكلماتٍ بذيئةٍ، لا تتناسب ورجال الدين، ولا تتفق مع من يدعون أنهم أولياء الله وأبناؤه، مدعين أن الله سيصيب بلعنته كل من أنكر حقهم، ونفى الصبغة الدينية اليهودية عن “الحائط الغربي”، وأنه سينتقم من المؤيدين للقرار والداعمين له، وقد يسخطهم الرب ويمثل بهم جزاءً على الجريمة التي ارتكبوها، والفاحشة التي ذهبوا إليها واشتركوا فيها، داعين إياهم إلى التوبة والبراءة من الإثم والمعصية، والتطهر منها بالعودة والإنابة، وإلا فإن عليهم أن يتوقعوا من السماء ما لا يحبون، وأن ينتظروا من الله ما لا يطيقون هم وأبناؤهم معاً.

لم تنته الهرطقات الدينية والهلوسات اللاهوتية عند الحاخامات ورجال الدين اليهود وحسب، بل امتدت لتطال بلوثتها رجال السياسة والعسكر، والفكر والإعلام في الكيان الصهيوني المريض بأحلامه، والمشوه بأفكاره، والسقيم بعنصريته، والمهووس بفكرة الاختيار وعقدة السامية التي صنعت منه نرجسية منبوذة، وإحساساً بالتفوق مكروه، فهذا مساعد وزير خارجية العدو الإسرائيلي أيوب قرا يقول أن “الزلازل التي ضربت إيطاليا الأسبوع الماضي، كانت بمثابة عقاب من الله للدولة على دعمها لقرار اليونيسكو الذي ينفي علاقة اليهود بالمسجد الأقصى”، ويبدو أ نه ليس وحده المقتنع بأن ما جرى في إيطاليا إنما هو انتقامٌ إلهي من الإيطاليين الذين أيدوا الفلسطينيين المسلمين على حساب اليهود، وهم أصحاب الحق التاريخي والديني في المدينة المقدسة، مخالفين بذلك ما تشهد به معابدهم القديمة، التي تحمل شمعدانات بني إسرائيل القديمة، التي تتشابه مع شمعدانات “أورشليم” البعيدة عنهم.

ينتظر اليهود عامةً والإسرائيليون خاصةً هذه الأيام أن تنزل فيمن عاداهم وانقلب عليهم، وتعاون مع خصومهم وانتصر لهم، وأيدهم في قرارهم وساندهم في باطلهم، قارعةٌ من السماء، أو زلزالٌ في الأرض يخسف بهم وبدورهم، أو أن يحل عليهم غضبٌ من الرب يدمرهم وبلادهم، ويزيلهم من الوجود وأبناؤهم، وهم بهذا مقتنعون وبه مؤمنون، وبه يهددون مخالفيهم، ويتوعدون مناؤيهم، ويحذرون من عارضهم وخالفهم، وينصحون من أراد منهم النجاة والفوز، ويذكرونهم بأسلافهم الذين مضوا، وأشباههم الذين هلكوا، ولكنهم لا يغلقون في وجوههم باب التوبة والندم، شرط أن يعودوا عن قرارهم، وأن يستغفروا لذنبهم، وألا يعودوا إلى سوء فعلتهم أياً كانت الأسباب والظروف.

يعلم الإسرائيليون أنهم يكذبون ويفترون، وأنهم يطلقون الكذبة ويصدقونها، ويؤمنون بها وينسجون حولها القصص والروايات، وغم ذلك فإنهم يريدون من العالم كله أن يصدقهم وأن يؤمن بروايتهم، وأن يقف إلى جانبهم ويؤيدهم، وأن يساندهم في مواقفهم وسياستهم، رغم أنهم يعلمون أنهم كاذبون ومفترون، وأنهم على باطلٍ يقفون، وإلى وهمٍ وخيالٍ يستندون، وأن ما يأتون به إنما هو الإفك بعينه، والضلال في أصله، ولكنهم يريدون من الخلق جميعاً أن يصدقوا روايتهم، وأن يؤمنوا بحكايتهم، ويدعون أن الله معهم يؤيدهم، وهو الذي جاء بهم إلى الأرض المقدسة، وسماها باسمهم، وأمنها لأجلهم، وباركها لهم ولأبنائهم من بعدهم، والويل كل الويل لمن حارب الله فيهم، أو أغضب الرب في أرضهم.

ترى أي قومٌ من البشر هؤلاء، وأي نوعٍ من الخلق هم، بلهاء أم أذكياء، سفهاء أم عقلاء، أشقياء أم أقوياء، مراوغون أم مخادعون، صادقون أم كاذبون، واهمون أم يحلمون، فهم يتقنون القتل كحرفة، ويبدعون في الظلم كصنعة، ويسرقون الحقوق بخفة، ويطمسون الوقائع خلسة، ويزورون التاريخ عنوةً، ثم يريدون من العالم كله أن يصدقهم، وأن يشهد لهم أن الفيل نملة، وأن النمر هرة، وأن النور ليس إلا ظلمة.

ترى هل يطمس الإنسان عقله، ويعطل تفكيره ويلغي ضميره، ويقبل بقولهم، ويؤمن بشهادتهم، ويسلم بروايتهم، ويرفع الراية لهم إيماناً وتسليماً وذلاً وخنوعاً، لينجو بنفسه، وينعم وأبناؤه بمستقبلهم، ويقنع بالحياة وكفى.

د. مصطفى يوسف اللداوي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى