المقالات

الرزين …!

 لا أملك ادوات التطبيل والتزلف ولا أعرف حتى أرقص سامري ..لكنني افاخر بإنجازات الرجال إن وجدت في كل موقع .. وثمة مايدعوني اليوم أن اقول حقائق عشتها مع رجل تعاملت معه على مدى اثنتي عشر عامًا كان فيها مثال للرزانه والعمل الهاديء ..البعض كان ينظر اليه بإمتعاض ويتهمه بعدم الإنتاج، والبعض كان يخشى مواجهته وقليل جدًا من كان يعرف عبدالله بن عبدالرزاق العمري السفياني ابن الطائف الذي عاش حياة البساطة ..

بدأ عبدالله العمري نائب رئيس تحرير جريدة المدينة ورئيس تحريرها لعدة مراحل حياته يعمل في متجر والده عليه شآبيب الرحمة ينهض مبكرًا للبيع والشراء، ومايلبث ان يحمل المسؤلية وهو فتى فكان يذهب لبيع الخضار عقب الظهر ويكافح من اجل العلم ..

يقول في امسية جميلة جمعتني به في جده .. كنت انهض قبيل الفجر وفي شدة البرد القارس على سفوح الشفاء قرب الطائف للحاق بحلقة الخضار وشراء مايمكن شراؤه من المزارعين ليتسنى بيعه في برحة مسجد ابن عباس ثم اذهب الى مدرستي لأعود الى متجر الوالد واستمر في ذلك حتى المساء ..

عمل ابو عبدالعزيز المتواصل لم يشغله عن عشقه للأدب والثقافة كان شغوفا بذلك لكن المسؤلية التي حملها على عاتقه منذ صغره كانت أكبر من أن يستمر في بحر ذالك العشق الذي بقي في خلده حتى كبر ..

عبدالله الشاب النحيل الذي صدح بصوته وفكره بين حواري الطائف و اذاعة المدرسة وقلم الصحافة تخلقت في دواخله موهبة الصحافة التي تعلمها وتخرج في اعرق الجامعات من اجلها .. ووهبه الله قدرة عجيبه من الفطنة والكياسه والذكاء .

تراه للوهلة الاولى صامتًا وتقراء في عينيه تعب السنين ومواجع الفقر التي عاشها ليخرج من رحم المعاناة كأسدا يزأر بصوت الحق ..لكن أحداً لا يعرف ان عبدالله العمري كان يقف خلف كل عون للزملاء الذين تتعثر اقدامهم في بلاط صاحبة الجلالة وللاسف تنكر له البعض منهم .. وقد لايعرف البعض ايضا ان خلف صرامة وجهه وجديته قلبا حنونا وصدرا حاضنا لكل معاناة ونادرا ماتجده يضحك او يتمادى في المزاح لكن لقفشاته طعم جميل لمن يعرفه ويتذوق حلاوة معشره ..اليوم يترجل احد فرسان الصحافة السعودية بصمت وبدون لجاجة كما يفعل البعض.

لكن عبدالله الذي حاربه الكثير من رؤساء التحرير والمدراء العامين بقي ثابتًا وصلبًا في وجه تسلطهم ومحاولة زحزحته فذهبوا جميعا وبقي هو.. وأضحت معالم فكره الرزين وشخصيته الفذة معلم بين اروقة العمل الصحفي ..

مارس ابو عبدالعزيز في حياته الصحفية كل انواع العمل الميداني الشاق بثبات وقدرة عجيبة لم يداهن مسؤل من اجل الوصول الى منصب أو حافز أو حتى قطعة أرض كما فعل الكثيرون في بلاط صاحبة الجلالة .. بل ابتنى لنفسه خطًا مستقيمًا عجز فيه كل من حاربه ان يخترق طريقه فقد عرف عنه الإستقامة ..

عبدالله في سنواته المهنية الأخيرة شعر بكثير من الإمتعاض الذي حاول البعض ان يخلقه ليوقف تقدمه بل الأغلبية كانت تتحسس خوفا على كرسيها منه رغم انه لم يفكر يومًا ان يأخذ مكان غيره دون وجه حق .. لكن عبدالله العمري المكافح كان يسير بخطى ثابته وعزيمة رجال قوية ..

اذكر ذات مساء ان سألني عنه شخصية قيادة في قطاع الصحافة وقلت عنه مايمليه علي ضميري بحق رجل عملت معه ورايت فيه الصدق والاخلاص وكانت الدهشة تعلو محيا ذلك المسؤل حين قال لي ..البعض حاول كثيرا إثارتي عليه لتهميشه ..قلت له ..الشجرة المثمرة تتقاذفها الاحجار ..ولا أعتقد ان مثله بحاجة لشهادتي .

.استمر عبدالله يعمل بصمت رغم شراسة الحرب والضغوطات التي مورست عليه لكنه كجبلا شامخا لم يأبه لذلك حتى اختار هو لنفسه ان يستكين بعد ثلاثة عقود من الكفاح والعمل الاعلامي الذي بدأه محررًا وقائدًا دافع خلاله عن وطنه وقيادته المحب لها ..

اليوم أردت أن اكشف بضعًا ممن لايعرفه الكثيرون عن هذا الإعلامي الفذ الذي غادر كرسيه دون تزلف لمسؤل في الجريدة أو الحكومة وأرسى قواعد مهنية ستبقى تخلد ذكراه المهني الرائع ..

اليوم فقط اقول انني اختلفت معك ابا عبدالعزيز في العمل وربما احتد بيننا النقاش على طرح قضية أو فكرة لكن يشهد الله انك تختلف اختلاف الرجال دون بغضاء اوغضب ..

اثناء تغطية الاحداث الارهابية التي عانت منها بلادنا في مطلع الالفية الثانية كنت مكلفًا بتغطية اجزاء كبيرة منها في الرياض والمنطقة الشرقية وجازان كان هاتفي لايصمت من عبدالله.. يتصل حتى بعد منتصف الليل وفي احلك الظروف تجده معك عبر الأثير ..هكذا كان عبدالله القيادي في الصحافة والاخ بعد العمل والصديق في اللقاء .. وتكريم ابو عبدالعزيز في قلوب محبيه أكبر بكثير من التكريم في صورة او خبر … وكفى …

عبدالله الشريف

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. كثيرون هم اللذين خدموا الوطن بكل اخلاص ووفاء
    ويعملون بالخفاء بعيدا عن الظهور الإعلامي .

    لمسة وفاء جميله من الكاتب تجاه أحد زملاءه

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى