عبدالحق هقي

القارئ الصغير..

لُجة الأيقونات- 

منطق الطير: “ربما ننفق كل العمر كي نثقب ثغرة..ليمر النور للأجيال مرة” – أمل دنقل

          لم تعد القراءة بمفهومها الكلاسيكي مجرد بوابة لدخول عوالم المعرفة واكتساب مهارات التواصل والتفكير، ولا القناة الوحيدة في تحقيق تلك الوظائف الهامة لصقل وتكوين شخصية الإنسان، فقد زاحمتها عديد الوسائط وكثير الوسائل، وباتت في مستويات مختلفة تفقد وظيفة التسلية والإمتاع التي شكلت القراءة لعقود طويلة أحد مخرجاتها؛ إن لم نقل أنها باتت تكبح وتشوه تلك المتعة وتعكر صفوها، على جهود لا تخفى في تطوير الكتاب ومواءمته مع التغيرات الدراماتيكية في الحياة، ورقيًا كان أو إلكترونيًا.  

          إن تلك الإشارات والأسئلة تحتم علينا قطعًا تجاوز مسألة “وجودية القراءة” أو بشكل مبسط وصريح سؤال: (هل يعني ذلك نهاية عصر القراءة؟)!!، والتي باتت تشغل حيزًا من تفكير المهتمين والمشتغلين في ميادين التربية والتعليم والثقافة، بل وتجاوزت في بعض الدول التي تعنى بمصائرها ومستقبلها خبراء النفس والاجتماع لتشغل رجال الاقتصاد والسياسة وخبراء الإستراتيجية، فالتوجس من نهاية القراءة بأشكالها المتعددة قد تبدو مسألة عبثية، إذْ خُلق الإنسان ليَعْمر الأرض  بالقراءة في كتاب الوجود والأشياء والمعرفة.

          يجعلنا ذلك أمام محك صعب!!، فتغير نمط القراءة وأدواتها لن ينعكس على تكويننا المعرفي وعاداتنا السلوكية وأهدافنا الآنية فحسب، وإنما سيتجاوزه إلى ما هو أعمق: المنهج والرؤية والرسالة، ما سيُحدث طفرات هائلة في مسيرة الآدمي! وصيرورة التاريخ، تتجاوز راهن الحاضر ورهان المستقبل لتعيد بلورة أسئلة الوجود والوظيفة و”الإنسانية”؛ وهو ما سيضع المعرفة السابقة بكل تكويناتها وتفريعاتها ومصادرها وإشكالاتها في مهب الريح، وقاب قوسين أو أدنى من الضمور والاندثار.    

          يعني ذلك أننا جميعًا سنتحول قريبًا إلى قُراء صغار، نتهجى أبجديات التَشكل الجديد، وننساق وراء بريق رموزه وفضاءات معانيه؛  ونبحث فيه عن جوهر إنسانيتنا التي بالكاد عثرنا عليها حتى فُقدت!!،  وإن كان ذلك حتمًا سيبدأ تلقائيًا متناسقًا مع فطرة الإنسان ويقظته في استقبال المحدث، فإنه سرعان ما سينحرف نحو أجندات وغايات موجهة، تهدف إلى إبقاء السيطرة على البشر بتحريف الأخلاق وتزييف الوعي، وإلباسهم رداء الجهالة وإن حيك بوهم العلم وطُرز بوهج المعرفة!!.                           

خبر الهدهد: “الجوكر.. والجواكر!!!”

عبد الحق هقي

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى