دمعة حزن.. نزف قلب

بدايًة أشكر أخي وزميلي الأستاذ خالد الحسيني على مشاعره التي غمرني بها في مقاله بهذه الصحيفة تحت عنوان ( رحلة الود خلال نصف قرن) فلم استغرب مشاعره الصافية وكلماته الصّادقة في حق فقيدتنا ، والشّيئ من معدنه لايستغرب يا خالد..

•• ليس من السهل أن تطوي خمسين عاماً من السّعادة الحقيقية والعشرة المثالية دون أن ينزف قلبك دماً قبل أن تسح عينيك دمعها الحار.
وان تفقد نصفك الاخر في لحظة ضعف وشريك الأصيل في الحياة في فجآية قاتلة فأنت كمن يمشي على قدم واحدة ويتهندم بملابس لاتستر الا نصف جسمه ويصبح نصفه الاخر عارياً

ياقلب صبراً جميلاً إنه قدر
يجري على المرء من أسر وإطلاق..

•• لقد اختطف الموت الحبية الغالية كريمة المنبت ، راجحة العقل ، طيبة الأخلاق ، نقية السريرة الزوجة الحبية ، زوجتي أم سامي طوى الموت في لحظة عين خمسين عاما عشناها من السعادة والصفاء والود والسكينة .
خمسون عاماً كانت الراحلة فيها الولود الودود التقية النّقيّة.. الطاهرة التي تراقب الله في كل ما تقول أو تفعل.

بنفسي عصر يوم السبت نعش..
تهاداه المناكب والرقاب

تكفن بالثياب وليت جلدي
لها كفن وليت دمي خضاب

•• كانت نعم الزوجة الحافظة للزوج والولد والمال والاهل ، فيها كل ما توصف به الزوجة من الصلاح والصدق والوفاء والعفاف..
تغدق على الجميع من حبها ولطفلها وكرمها وسماحتها وجميل أخلاقها الكثير بلا منٍّ ، ولا ضجر – خمسون عاماً كانت تعطي وتعطي – وكانما تغرف من بحر ..

•• خمسون عاماً لم تتغير قيمها النبيلة الثابتة وأصالتها الراسخة ، كانت أماً يطلب رايها ومشورتها الجميع وبحب الام الرؤم تحنو على الجميع بلطف وعطف حنوالمرضعات على الفطيم.

•• خمسون عاماً والحبيبة
-المغادرة الى لقاء ربها – تدعم وتسند وتقف الى جانب الزوج الابن والابنة والحفيد والحفيدة ، لاتقبل الا الكمال والجمال في كل شيئ ، تبني بيتاً من الأخلاق والقيم ، بيتاً آمناً مطمئناً ،فلها الفضل بعد الله في كل ماوصل اليه الزوج والأبناء من توفيق في تحمل مسؤلياتهم في الحياة

•• كانت الفقيدة مصدراً لثقة الابناء بالنفس ، ملهمة في تعزيز مسيرتهم، كانت المثال في اقتفاء خطواتها التي اتسمت بالصدق والامانة والتقوى.

•• للفقيدة شخصية فريدة محببة تحظى بالتوقير والإجلال فلايسمع في مجلسها حوشي الكلام ، ولامبتذل القول، ولامذمة الناس، لم ينقل عن مجلسها مايخدش الحياء أو يمس أحد بسوء، كانت صاحبة مجلس محترم موقر .

•• كانت الراحلة مشرقة دائماً ، مبتسمة متفائلة أبداً ، لاتتغير بتغير الظروف والأزمان ، تعطي بسماحة وتنفق بتودد ولاتنتظر المردود من الناس.

•• اتصفت الراحلة بعفة اللسان وطيبة القلب وحسن المعشر، والعطف واللطف واللين مع الصغار والكبار واصحاب الحاجة كانت سند الفقير والصغيف والمحتاج .

•• لقد رحلت فقيدنا الى ربها وخالقها وتركتنا نغالب الاحزان ، ونكففك الدموع .. لكن ذكرياتها الجميلة لن تموت.. وستبقى الحياة بعدها بلا طعم ولا لون ، ولابهجة ولا أنيس ، ستكون مملة موحشة.

أساكن حفرة وقرار لحد
مفارق خله من بعد عهد

وأين حللت بعد حلول قلبي
وأحشائي وأضلاعي وكبدي

•• في يوم عزائنا فيها كان من يبكي الراحلة ويتلقى العزاء فيها من ضعاف الحال والجيران والاصدقاء من أكثرنا حرقة والماً على فراقها.

•• إن مايطئن النفس ويجبر الخاطر أن القرآن الكريم كان رفيقها طوال حياتها وفعل الخير منهج ثابت لها وقضاء حوارج الناس مصدر سعادتها وحبورها الابدي

•• عزائي فيها أنها تركت ذرية صالحة بارة بوالديها
ستحمل المسؤلية من بعدها

•• اللهم اغفرلها وارحمها تحت الأرض ويوم العرض عليك ، وقها عذابك يوم تبعث عبادك ، وأنزل عليها نورا من نورك ،وارحم غربتها وضعفها
ووسع مدخلها ،وادخلها الجنة ، وطيب ثراها وأكرم مثواها ، واجعل الجنة مستقرها ومأواها ، ويمن كتابها ، وهون حسابها، وثبت أقدامها ، وألهمها حسن الجواب ، ونور مرقدها ، وعطر مشهدها ، وطيب مضجعها ياأكرم من سئل وياأوسع من جاد بالعطايا خفف أحمالها ، وحط من أوزارها ، واجعلها في مقام من قام لك بالقرآن آناء الليل وأطراف النهار ، وكن لها بعد الحبيب حبيبا ، ولدعاء من دعى لها سامعا ومجيبا ، وأطعمها من الجنة، وأسقها من حوض نبيك صلى الله عليه وسلم ، وأرها مكانها فيها

•• نسلم بأمر ربنا ونقول:
إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ،
اللهُمَّ أْجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي، وَأَخْلِفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا ”
رحم الله الحبيبة الرفيقة ام سامي وعوّضها الجنة ، وجمعنا في مستقر رحمته.

سليمان بن عواض الزايدي

١٧-٢-١٤٣٨هـ