لكي نحفز نشاط العقل ويقظته وحيويته علينا أولًا أن نحافظ عليه ماديًّا كمادة دماغية تتأثر بغذائها وهوائها ومائها من حيث النوعية والكمية والكيفية، وأيضًا كيفية المحافظة على مادة العقل أي معقل التفكير والتدبير وكيف يمكن أن نحافظ على نشاطها وتوازنها ؟ والسؤال كيف نجعلها بحالة أداء أفضل ؟ وهذا نتيجته الإيجابية لا تخفى على أحد ..!
لنعرف حقيقة أن العقل يحتاج لتدريب مستمر كما العضلات تمامًا، فإن هذه التدريبات تساعده على اتساع قدرته الاستيعابية وتوسيع الذاكرة بالتدريب، فتصبح هناك ذاكرة إضافية مدربة لها لياقة تذكر أوسع وأسرع.. فالعقل بالتدريب يحسن كفاءته فيتقد .. فلا شك أن اللياقة العقلية يجب دائمًا أن يتوازى مع المحافظة على لياقة البدن؛ لأن العقل السليم يسكن الجسم السليم.
في التدريب وسيلة فعالة وما علينا إلا توفير الوسائل والأدوات والمحفزة لهذا الغاية، لاسيما كلما تقدم بنا العمر، وهنا يجب الإشارة إلى فهم أن الهم والقلق والمؤثرات السلبية المستمرة هو أمر ضار في صحة وسلامة العقل المادية منها والفكرية، فيؤثر سلبًا على صحة خلايا المخ ويؤثر على عملية التركيز والتفكير وبذلك أي إنتاج علمي مفيد.
من أهم العوامل التي تؤثر إيجابًا على اتقاد العقل وتنويره وسرعة عمله واتساع ذاكرته وتنشيط إمكاناته المختلفة، التدريب على أسلوب العصف الذهني الجماعي الحر بغرض توليد أفكار جديدة بعد إمطار العقل بأفكار مختلفة من الحضور، تساعد على تدفق الأفكار واستحضارها لإنتاج حلول و بدائل ناجعة. من المفيد أن يحاول الإنسان التذاكر والتفاكر مع المجموعة إن لم يكن في جو التفكير الحقيقي؛ فهذا يساعده أيضًا أن ينتقل إلى مرحلة المشاركة الفعلية لاحقًا.. من بين هذه الأساليب ألعاب جماعية يجب أن نمارسها دوريًّا بجلساتنا وسهراتنا، عوضا عن ضياع الوقت فيما لا فائدة فيه من تثاؤب أمام الشاشات أو انكسار الرقاب أمام برامج التواصل لساعات يوميًّا.
الرياضة العقلية الأصيلة في القراءة والمطالعة، فهي أحد أهم أساليب تدريب العقل وخاصة فيما يتعلق في الذاكرة وتوسيع أفق التفكير وتوسع آفاق الخيال، من المفضل اقتران القراءة بالحفظ فيحبذ التدريب على الحفظ. في هذا المجال من الجيد استغلال تعليم أولادنا في دراستهم ومتابعة تعليمهم وهو أمر غاية في الأهمية، من حيث إعادة صياغة معلومات سابقة وتحديثها وتذكر أخرى، وإضافة معلومات جديدة ونحن نجتاز الصفوف الدراسية معهم.
الحوار وتقبل الآخر نافذة واسعة للاطلاع على أفكار جديدة سواء اتفقنا أو اختلفنا معها إلا أنها تعطي صورة عن طريقة تفكير أخرى، أسلوب مختلف للوصول للاستنتاج .. فالمبدأ العام الحقيقة ليست حكرًا بفكر أحد، ولكن هنا تدفق المعلومات المختلفة تنشط العقل ليفكر بأكثر من طريقة تساعده على توسيع ذاكرته ولياقته .. فلا أخطر على العقل من الانغلاق على رأي الذات والتمسك به كحقيقة مطلقة، فليس عالمك يطابق العالم بل هو جزء بسيط جدًا ..!
ممارسة رياضة معينة تناسب الجسم من العوامل الهامة جدا في كسر روتين الحياة وتنشيط أعضاء الجسم بما فيها العقل..! فإعطاء العقل راحة في حالة النوم والاسترخاء وفواصل أثناء اليقظة وإبقائه هادئًا حيث يأخذ فترات راحة يومية يعيد فيها العقل شحن طاقاته لينطلق بعدها للعمل النشط، على ألا نبالغ أيضًا في أمر الراحة هذا، فنقضي ليلنا ونهارنا نوما نتيجته الكسل والخمول الجسدي والفكري، بل يتعدى ذلك إلى حصول بلاهة فكرية ولو بدرجات أقل من تلك الخلقية.. لو أضفنا التأمل كحالة صحية فائقة الأهمية في راحة العقل وتنشيطه بذات الوقت، فهو يوصل العقل إلى خاصة الصفاء والسكينة والصفاء ويساعد على ربط الأفكار وتوليد الحلول.
كل هذه الأمور تساعد على تحفيز العقل على التفكير واتساع الذاكرة وهو الأمر الصحي المنشود، ما يفيد في التميز المهني في العمل والتدرج الوظيفي، والأهم يساعد على الحفاظ على المرونة واللياقة العقلية التي بدورها تنشط أكبر عدد ممكن من خلايا العقل وتوسيع مساحات العمل فيه ..!
جميل احترامي..
د.محمد خيري آل مرشد