الحمد لله الذي أكرمنا وأنعم علينا بأن جعل لنا من أنفسنا أزواجا؛ً لنسكن إليها وجعل بيننا المودة والرحمة، فقال جل شأنه: “” وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُون””
إن الاسلام أوجب على الأسرة أن تتعامل بالاحترام والمحبة والمودة وأن العلاقات الأسرية هي أسمي وأقدس العلاقات على وجه الأرض تبدأ بذرتها بين فردين بالزواج، ثم أفراد بالإنجاب وتمتد لتشمل المجتمع بأكمله والترابط الأسري يتمثل في الأب الحاضر والأم الحاضرة وتوزيع الأدوار بين الزوج والزوجة؛ لتحقيق الأهداف في بناء أساسات الأسرة التي ترتكز عليها الحياة الزوجية بالطرق الصحية وذلك لتمهيد الطريق للأبناء للحصول على التربية الصالحة والثقة العالية التي تمدهم بالطاقة اﻹيجابية لتحقيق طموحاتهم المستقبلية.
إن الاحترام المتبادل بين الزوجين سوف يكون حتماً مفتاح الحل لأي مشكلة تتعرض لها الأسرة، وبالتالي سوف ينعكس هذا المفهوم على ثقافة الأبناء وادراكهم لتستمر حلقة إنشاء الأجيال الواعية المثقفة المرتبطة بعقيدتها السمحة المبنية على أسس المحبة والاحترام والمسؤولية.
ولعل ما نواكبه في عصرنا الحالي من تطور تكنولوجي وثورة كبيرة في الاتصالات الحديثة على الرغم من سلبياتها وإيجابياتها إلا أن بعض الناس لا يفرطوا في التعامل معها على حساب الأسرة وواجباتها وهذا كان عاملاً مساعدا في استقرار الأسرة ونجاحها، وبث بذور السعادة فيها دون التأثر بالتطورات التكنولوجية على حساب ضرر الأسرة وتصدعها، كذلك فإن الوضع الاقتصادي للأسرة له دور كبير في تفككها احياناً سواء كانت أسرة غنية أو أسرة فقيرة ففي حالة اﻷسرة الغنية نجد بعض الناس ممن يملكون المال ينشغلون به وبأعمالهم على حساب أسرهم فلا يراعوا الأبناء ومتطلباتهم المعنوية والعاطفية التي هي أغلى بكثير من المال، وفي حال الفقر لا يستطيع الأب أحيانا توفير احتياجات أسرته مع كبرها وقلة تعليمه فيعجز عن الاستجابة لمتطلباتها؛ فيقع في الديون التي لا تنتهي ولذلك فقد نجد الكثير من الأشخاص ممن هم في وضع مالي طبيعي يسير يعيشون مع أسرهم بسعادة ورخاء رغم ارتفاع نسبة الغلاء أو تزايد متطلبات الحياة الضرورية فيكون النتاج سعادة تلك الأسرة نتيجة القناعة والتخطيط والتنظيم في المصروفات والتعاون بين أفراد الأسرة لسد الخلل في ثغرة معينة.
إن الترابط الأسري وأثره الاجتماعي واضح على الأفراد الذين تجدهم يعيشون بسعادة واستقرار ومثابرة لتحقيق أهدافهم ويكونوا مثالا يحتذى في المجتمع وأكثرهم يستمدون ترابطهم ومحبتهم من عادات العرب الأصيلة المستمدة من الدين اﻹسلامي الحنيف، وقد سعت وتسعى الجمعية الخيرية لرعاية الأسر السعودية في الخارج (أواصر) من خلال رسالتها السامية في بث روح التعاون والاحترام من خلال النشرات والندوات واﻹصدارات الورقية بين أفراد المجتمع لحثهم على الاعتناء بالأسرة التي هي عماد المجتمع ولا تنجح الأمم الا بنجاح الأسرة لما لها تأثير كبير عليه.
وقد دأبت الدولة -أعزها الله- من عشرات السنين في تقديم الدعم للأسر المشمولة برعاية اﻷواصر المكونة من أب سعودي وأم أجنبية وأبناء ومن هم يتواجدون خارج الوطن حيث وفرت لهم أواصر الدعم المالي والتعليمي والصحي، وعملت على مســاعدتهم للعــودة إلـــى أرض الوطــن ما أمكن ذلك وبما يتناغم والأنظمة الـرسـمية ويرضـي طموحات ولاة الأمر _ يحفظهم الله، ومما يثلج الصدر ما حققته أواصر بفضل من الله تعالى، ثم بدعم الدولة أعزها الله في الحد من عدد الأسر السعودية المتعثرة في الخارج والناتجة من الزواج العشوائي في الخارج؛ حيث انخفض عدد الأسر التي تطلب مساعدات وكذلك استطاعت الجمعية توفيق بعض الأزواج ليعودوا تحت سقف واحد مع أسرهم بعد جفاء وانقطاع دام سنوات، كذلك استطاعت الجمعية إعادة الأبناء إلى حضن أبيهم بعد سنوات طوال من الحرمان وهذا كله يدل على الدعم الذي توليه الدولة -حفظها الله- تحت مقولة “” اﻹنسان اغلى ما نملك “”.
إن المجتمع المسلم المبني على التفاهم والاحترام وتحمل المسؤولية لا بد له من النجاح وجني الثمار فكما نزرع نحصد، ولا بد من تطوير الذات من خلال عقد الدورات المناسبة لتثقيف من هم مقبلون على الزواج وإرشادهم للطرق السليمة في التعامل والتكاتف والتلاحم لتحقيق أهدافهم وتذليل أية صعوبات تواجههم وهذا لا يتم إلا بالتعامل والتكاتف ما بين المجتمع ككل والمؤسسات الخيرية المختصة، وكذلك الدعم من القطاع الخاص للجهات ذات العلاقة للمساهمة في هذه المسؤولية الاجتماعية والله ولي التوفيق.
د. توفيق عبدالعزيز السويلم
مدير دار الخليج للبحوث والاستشارات الاقتصادية
رئيس مجلس ادارة الجمعية الخيرية لرعاية الأسر السعودية في الخارج (أواصر)