الفضائيات، الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، رغم إيجابياتها، إلا أنها قد تكون مدخلا للإصابة بالأمراض النفسية وضغط الدم المنخفض والمرتفع سواء صيفا أو شتاء.
ويتفق أهل التخصص أن المرض النفسي أشد أنواع المرض تعقيدا وتشخيصا، والمصاب به قد يكون من أكثر المرضى الذين يحتاجون رعاية وعناية خاصة. لست طبيبا نفسيا لأحدثكم عن الطب النفسي، لكني أنقل لكم تجربتي من خلال جلسات العلاج النفسي مع الطبيب الرائع الذي أراجعه منذ فترة لمعرفة حالتي،حيث كنت أقف و لساعات متأملا كل (علبة بيضاء) أراها على بعض الجدر الخارجية للمنازل في الحي، مما سبب لأهلي الكثير من الإحراج مع الجيران!! وأكد الطبيب أن هذا المرض منتشر في المملكة، والإسم العلمي له هو عقدة (العلبة البيضاء) وهو درجة متقدمة من تداخل (الشيزوفرينيا مع البارانويا)! ويصاب به كل من لديه خدمة (الانترنت عبر الواي فاي او DSL) ولا تعمل بشكل جيد و لم يتمكن من الحصول على خدمة الإنترنت عبر الألياف البصرية والتي تمثلها (العلبة البيضاء) على جدار المنزل الخارجي، وتنتكس الحالة حين تمر السنون و لا يرى (العلبة البيضاء) على جدار منزله فيشعر بالإحباط لعدم قدرته على مواكبة التطور ومتابعة الأحداث والأخبار.
ما يميز هذا الطبيب أنه لا يعتمد المدرسة الكلاسيكية في العلاجات من أدوية وعقاقير، بل أسلوبه يقوم على زرع الأمل للاستمرار في الحياة مهما كانت المعوقات، وبعد أن تفهم حالتي، بدأ يشرح لي عبارات مثل الصبر مفتاح الفرج، والصبر جميل، يتحقق الأمل بطول العمر، وأقبل بـ (نتّك) لا يجيك نت أسوأ منه، ثم يختم الجلسة باختيار عبارة جديدة عن الصبر ويطلب مني كتابتها ثلاث مرات في اليوم لمدة شهر مرة بخط النسخ وأخرى بالرقعة وأخيرا بالثلث. وسألت الطبيب هل الكتابة وحدها تكفي لتجاوز الأزمات النفسية؟ سكت لبرهة ثم أخذني لغرفة أخرى بها ثلاث من أعقد الحالات وقال: اشكر الله أن خدمة الإنترنت لا تعمل لديك بشكل جيد، انظر ماذا فعلت بهم. الإنترنت ومتابعة الأخبار! هذان الاثنان، نسيا الكلمات إلا جملتين فقط، الأول لا يكرر إلا جملة واحدة (معقولة يكرموه) بعد أن سمع في الأخبار بأن السيد (بان كي مون) قام بتكريم بشار الجعفري مندوب النظام السوري الدموي، ومنذ سماعه للخبر، أصيب بحالة هياج شديدة وحطم كل الأجهزة في منزله بما فيها اجهزة الواي فاي!. أما الثاني فلا يردد إلا (معقولة يؤبنوه) بعدما شاهد في الأخبار الحضور العربي لجنازة (شيمون بيريز) اليهودي المعتدي أحد مرتكبي المجازر بحق الشعوب العربية الشقيقة.
هاتان الحالتان لا تنفع معهما الكتابة إطلاقا، لذا طلبت منهما تنفيذ وصية أهل العطارة الثقات بشرب كأس من عصير الكركديه حتى يعيد للنفس هدوءها وسكينتها، ومنذ تاريخه عقدا صداقة حميمة مع بائع الكركديه القريب من سكنهما.
ثم أخذني الطبيب إلى الركن البعيد الهادئ حيث يجلس شخص ثالث وقال، أما هذا، وسكت للحظة، فهو بائع الكركديه صديقهما! حيث استلم إخطارا من الجهات المختصة للاستعداد لدفع الزيادة في سعر مواد ورق الكركديه والسكر بسبب ضريبة القيمة المضافة قريبا ، وكذلك الزيادة في سعر إيجار المحل و الزيادة في سعر رسوم البلدية!، وعندما شاهد المسؤول حيرته وغضبه حاول أن يطمئنه بأن الرسوم تشمله كما تشمل ملاك الأراضي البيضاء، عندها تشنج البائع و نقلوه مباشرة إلى هنا ولسانه لا يفتأ عن ترديد (معقولة يزودوها) بعد هذه الجولة النفسية مع الطبيب وقفت مرتبكا وسألته: وبماذا تنصحني؟ وكيف أتعامل مع ضغوط العصر الحديث؟ أجابني و بهدوء يحسد عليه نصيحتي لك العودة للطبيعة، والتواصل مع الناس من خلال هاتف علبة معجون الطماطم (الصلصة) وهي ” تقنية لا يعرفها الكثيرون”، وان شعرت بالتوتر، و إذا لم تنفع معك الكتابة، ولم تجد بائعا للكركديه، فلا تتردد و لا تحتار فليس أمامك إلا أن ( ….. ) رأسك في الجدار.
عبدالإله الشريف