المقالات

أمي فاطمة ..!

كثيرا مانجد انفسنا معلقين بحبال الأمل والآلم .. نعيش في هذه الفانية لانعلم اين يؤول بنا المصير ..نقتات من يديها بلسم الحياة ونغضبها ثم نرتمي بأحضانها .

قبيل 28 عاما جمعتني محاسن الصدف بأسرة عريقة ذات صفات نبيلة وقلوب جميلة ..كانت اولى قصتي مع الغربة والوحدة ..شعرت للوهلة الأولى انني منهم وبهم وفيهم وكأني خلقت من بين اضلعهم ..لم يكن ارتباطي الاجتماعي فيهم كافيا بل تجاوز كل ذلك الى مرحلة الاحتواء ..كانت الرياض أولى محطة عشقي في الحياة وكانت أمي فاطمة الشبر اولى من احتضنني ولملم مواجع غربتي .. أمي فاطمة ابنة نجد البسيطة والغير متكلفه .. علمتني كيف اكفكف مواجعي وكيف اشق طريقي في الحياة بالصبر ومتى اقف على بوابة الحياة بكل اعتزاز ..

علمتني تلكم الأم أن اقف في مصاف الرجال وان لا اتقهقر في حياتي ..كنت استكين لها مع اشراقة كل صباح وهي تجلس مع دلة القهوة والحنيني الممزوج برائحة الهيل والمكان المعطر بالعود وشبة النار في شتاء الرياض القارص …امي فاطمة هي ام لاربعة رجال احسبني خامسهم وهي ام لكل من تعايش معها وعرفها ..كنت ارتمي في حضنها الدافيء اشكو مواجعي وكانت شديدة المراس لاتحبذ ان ترى الضعف في احدا لها وبها ومنها رغم طيبة قلبها وسماحتها ..

ذات مساء جئت لها منهار من عملي ومن ضغوط الحياة أريد أن اهرب وأبحث عن مكان آخر .. قالت لي .. لاتجعل احدا يحطم عزيمتك ..اصمد وتجاهل كل منغصات تواجهك ..كانت بلسم عظيم في كلماتها وودها وعطفها .. رحلت امي فاطمة في وقت كنت فيه خارج الوطن ولم تسعفني كل الظروف ان اقبل رأسها قبيل الفراق ورحلت معها رائحة الحب والمكان لكنني كلما عدت للرياض يحن قلبي لمكانها .. اجول في الشارع الذي كنت اقف فيه شامخا وانظر الى بيتها ومكانها واسترق النظر للنخلة التي في زاوية الحوش ثم اعود الى ادراجي وكأن شيئا في داخلي يرغمني على ذلك … تغير المكان وشطبت معالمه الا رائحة تلكم الأم النقية لاتزال تشع في ارجاء الحي وذهب اهله وتفرفت بنا السبل ..

بعد أمي فاطمة لم نعد نرى أحدًا من أهل ذلك البيت الطيب ولم أعد استسيغ رائحة العود وطعم الهيل وريوق الصباح ..كانت بلسم الحياة تشع في ذلك البيت بعطرها وفكرها وبساطة ملبسها ..تغمرك بالحنان الأبدي الذي يجعلك تعود اليها رغم أن داخلك يعلم انها ذهبت ..

امي فاطمة ..حنين لماض لن يعود وقصة اسجل جزء بسيط منها لايمكن لي أن انتهي منه ..فلم تكن أُم عبدالعزيز أمًُا فحسب بل تاريخ لذاكرة لاتشيخ في دروب الحياة .. رحلت قبيل بضعة اعوام وتركت لنا إرثًا عظيمًا ..هي التصافي والمحبة في ذوي القربى ..لكننا جافينا كل ذلك وتباعدت القلوب التي كانت تجتمع عند إقدام امي فاطمة .. فرقتنا الحياة ولم تشفع لنا كل تلكم الدماء التي تجري في العروق أن نتواصل مع ذوي القربى ..ولأن مفاصل الحياة مليئة بالخلافات ، فقد اختلفت الرؤى وتناست الأنفس ان الخؤلة والصهر من باب الرحم الذي لايجب قطعه ..وكفى ….

عبدالله الشريف

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى