من المفارقات العجيبة في ميدان التعليم ، أن تجد المادة الواحدة تقدم في الجامعة على شكل تخصصات ، ولكن الذي يحصل أن ذلك الطالب بعد تخرجه ، وتعيينه معلماً ، يجد نفسه أمام واقع تخصصات تدمج في مادة مع اختلاف إعداد المعلم ، وتباين تلك التخصصات فيما بينها ، ولكنه يُطالب بتدريسها دون التوقف عند: هل هو مؤهل من حيث الإعداد لذلك أم لا ؟
فعلي سبيل المثال لا الحصر ماهو حاصل في المواد الاجتماعية ، فالمتخصص في التاريخ يطالب بتدريس الجغرافيا ، والعكس ! مع اليقين أن ما يتناوله الطالب في الجامعة لا يُمهد لأن يقوم بتدريس غير تخصصه ، هذا إذا ما كانت الوزارة تتمثل ما تدعو إليه من دعم التخصص والتشجيع عليه .
وهنا لا يخفى كيف أن دمج المواد في التعليم ، أسهم بصورة مباشرة في تزايد أعداد العاطلين ، وهو ما حرم الميدان من الإفادة مما لدى أولئك الخريجين من ثمار التخصص ، وأوجد حالة من الارتباك في المخرجات، كنتاج طبيعي لأداء معلم في غير تخصصه ، فأداء المتخصص في التاريخ لن يكون بذات الزخم عندما يدرس الجغرافيا ! وهذا ما ضربت عنه الوزارة صفحاً ، فأصبح الدمج سمة في تدريس جميع المواد حتى مع تباين المحتوى فيما بينها !
وفي ظل عدم اكتراث الوزارة بالتخصص ، وجدنا من المعلمين من يمارس عملاً بعيداً عن تخصصه ، كما هو واقع الإرشاد الطلابي في مدارسنا ، فمن النادر أن تجد متخصصاً في ذلك ، مع وجود عدد هائل من العاطلين ، ممن يعيشون البطالة من سنوات ، وهم يحملون وثائق تخصصات مجالها الإرشاد ، كما هو شأن خريجي علم النفس ، وعلم الاجتماع ، وهنا من الجدير أن نقارن بين واقع الإرشاد عندما يقوم عليه متخصص، وواقعه اليوم مع غير المتخصصين ، دون أن يُلغي ذلك ما يقومون به من جهود ، ولكنها تظل في إطار الاجتهادات التي لا تقوم على أساس من التخصص الدقيق .
وما ذكر في شأن الاجتماعيات ، والإرشاد يُسحب على بقية المواد ، مما يعني أننا أمام سبب لا يخفى أثره في تراجع مخرجات التعليم ، فالعالم اليوم يتجه إلى حلحلة التخصص الواحد ، لمزيد من الدقة في التشخيص ، والفاعلية في النتائج ، بينما مازال تعليمنا يجنح نحو ترسيخ ” الدمج ” ، ليس فقط في ميدان التدريس للمعلم ، بل حتى في سحب نتيجة الطالب إلى قيمة ” متفوق ” ، مع أنه لا متفوق ، ولا يحزنون ! ثم يأتي من يتساءل ــــ وببراءة خالصة ــــ عن سبب تراجع المخرجات ؟ وفال الدمج إلغاء !.
خالد بن مساعد الزهراني