وما أدراك ما الوحدة ؟.. النادي الذي نال شرف المكان بمقره الدائم في أطهر بقاع الأرض مكة المكرمة ، كما نال أيضا شرف الزمان بتاريخ تأسيسه الممتد إلى بدايات ظهور الحركة الرياضية في المملكة ، ناهيك عن أمجاده وبطولاته وألقابه العامرة التي كان أبزرها تسجيل إسمه كأول ناد سعودي يفوز بأول بطولة رسمية في كرة القدم على كأس الملك عام 1377هـ .
ويقيني أن الرقم واحد الذي يحمله شعار النادي فيه من الدلالات ما يكفي على رغبة وحداوية جامحة لاستعادة “وحدة زمان” وتجديد عهد الفوز بالألقاب ومعانقة الكؤوس ، ويبدو هذا واضحا وجلياً في مشروع الإدارة الحالية وإن كانت التحديات كبيرة والمشوار طويل ، لكن اللافت للنظر هو الفكر الراقي الذي قفزت به إدارة الوحدة مؤخراً بالمبادرة الكبرى لصناعة أول حدث من نوعه على مستوى العالم العربي ممثلاً في الندوة التي ستنطلق اليوم الإثنين بمقر النادي تحت عنوان ( تلوث بيئة الملاعب وكيفية المحافظة عليها ).
عنوان مثير لقضية هامة وخطيرة ومسكوت عنها على مدى عقود طويلة مضت ، قضية تمس صميم الواقع الذي نعيشه ، فقد تجاوز فساد البيئة على ظهر كوكبنا المسكون كل حدود التلوث وتعدى كل الخطوط الحمراء ليصل في موكب الكارثة إلى درجة الخطر مع مرتبة “العار البيئي”.
وأسمحوا لي بإطلاق هذا المصطلح ، فنحن بالفعل نعيش في عالم مصاب بوصمة عار التلوث البيئي ، عار لحق بنا كنتيجة حتمية لما صدر عنا كبشر من فساد وإفساد عم أرجاء المعمورة ، وما تلوث البيئة إلا صورة واحدة من فيلم ( الفساد ) الذي أخرجه الإنسان ولعب فيه دور البطولة الخائبة حتى جلس على مقعد الحضارة الزائفة ليشاهد عن قرب وبدهشة غبية ما صنعته يداه في تلويث الهواء والماء والتربة والغذاء ، وكأن ذلك تحقيقاً لما أشارت إليه الآية الكريمة في قول الله تعالى : (ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس).
ولن أجانب الصواب إذا قلت أنه تلوث بيئي متعمد بطريقة ممنهجة ليس في مخلفات المصانع والصرف الصحي وأرتال القمامة وانبعاث الغازات الكيماوية وضوضاء الشوارع وغيرها من الملوثات المسجلة في قائمة (خطر ممنوع الإقتراب) بل تطاول جدار التلوث وأمتد أيضا ليضرب أطنابه في عقر دار الصحة والقوة وبناء الأجسام في الملاعب الرياضية ، وبالتالي تجدنا نجني وبال ذلك أضراراً جسيمة يكون فيها الإنسان هو الخاسر الأكبر .
نعرف أن التلوث قضية عالمية لكن المؤلم أن في عالمنا العربي والاسلامي تجاهل تام وإهمال فضيع للمخاطر والكوارث الناتجة عن هذا التلوث وكأنه قضية ثانوية يمكن قبولها على علاتها والتعايش مع مخرجاتها ، بل لا مانع عند اللزوم من التعامل معها بشيء من ثقافة التسطيح التي نلوذ بها هروباً من مواجهة الواقع المؤلم وتخلصاً من مسئولية الوقاية والعلاج .
تلك هي حالنا للأسف الشديد مع الفساد والتلوث البيئي مع أن تعاليم ديننا الاسلامي تحمل في مضامينها مطالب أكيدة بضرورة المحافظة على بديع ما خلق الله تعالى وعدم محاولة التدخل في القوانين التي فطر الأرض عليها ، ويزيد الطين بله أننا لا نستشعر الخطر إلا بعد وقوع الكارثة ، وهذا الذي جعل قضايا معالجة (تلوث البيئة) تنحصر في نطاق ضيق ولا نكاد نلمس لها تاثيراً في سلوك الفرد والمجتمع فأصبحت أيدينا رغم نظافتها الناصعة تتلطخ بهذا العار ليل نهار .
فشكراً لنادي الوحدة على مبادرته الرائعة والتاريخية لفتح هذا الملف الخطير وكسر قاعدة السكوت عنه ، وشكراً لكل القائمين على هذا النادي العريق لاستشعارهم المسئولية الاجتماعية قبل الرياضية وقرارهم الفوز بقصب السبق في صناعة حدث فريد وخوض التحدي الكبير لمواجهة عار التلوث البيئي بأكبر تجمع من نوعه يضم نخبة مميزة من كبار أساتذة الجامعات والأطباء والخبراء والمختصين ليشبعوا القضية بحثا وفحصا وتمحيصا خلال جلسات ثلاث هي العمر الزمني لهذه الندوة فيخرج المشاركون فيها بحزمة جيدة من النتائج والتوصيات ومشاريع القرارات فتكون نواة نشطة وملهمة لشحنات إيجابية أخرى تدور حول ذات القضية على أمل تخليص ملاعبنا السعودية من التلوث ومحو العار البيئي الذي ظل معيباً لها مشوهاً لجمالها وروعتها .
المستشار / صالح العمودي