المقالات

المستقبل و “المنظومات غير المنتظمة”.

قد تبلغ المعرفة والقدرة العلمية بصاحبها مبلغًا يتوجب عليه أن يطلق في موازاتها خارطة طريق عملية تطبيقية واضحة المعالم ومستوفية الشروط ، يستثمر فيها مبلغه من العلم والمعرفة ؛ أو أن رؤاه المعرفية والعلمية سوف ترتكس في وهن العناد والمماحكات التحريضية وخفايا التعبوية المشينة ، فتتحوّل القدرة الثقافية التي يحملها إلى ما هو أشبه بالحمل الكاذب الذي قد تتعرض له بعض السيدات ، فيظل من وهن إلى وهن ، ولا طائل في نهاية المطاف من وراء النضال والقدرات التي قضى عمره في تحصيلها والسعي إلى حوزتها !.

وربما أن الشعور بالفردية الخارجة عن العصبيات الفاعلة في المجتمع والتحيزات الصلبة التراكمية ، ذات الكيانات الموازية المستحوذة على قمرات التأثير والإدارة ، تكون سببًا في هذا الإرتكاس والوهن ، إذ أن التصور الواقعي الصحيح لقوى العصبيات المتجذّرة في المجتمع ، يتفرع عنه حركة بائسة يائسة لاواعية ، تجعل من المتعجلين المناوئيين لها ، معاول هدم لا بناء ، فتبوء بإثم الهادم وفوات المهدوم ، جزاء ضيق مسلكها ، وقسوة نهجها ، وجمود منهجها .

وفيما يبدو -على سبيل التنبوءات بقادم الأيام والمآلات- أن العصبيات ذات الحلقات المستحكمة ، قد أوشك أوان تبدل حالها ، بتفاوت فيما بينها ، وتماسك قد يطول لعقد من الزمان لبعضها ، لتتسنم مايمكن أن نسميه “بالمنظومات غير المنتظمة” والتي نعني بها منظومات تتفق في المنطلقات وتتوحد في الغايات ، وتكون وسائلها مرسلة ومتكاملة ، إذ أنها تنطلق في مسارات متوازية وبقدرات متفاوتة ومتناغمة ، مع منح السيادة للفرد وله الحق في تقرير المصير الذاتي ، وحق المشاركة الفاعلة في تقرير المصير المشترك طالما اختار البقاء ضمن فضائها.

وبهذه “المنظومات غير المنتظمة” تضمحل كثير من آلام الفردية القاصرة ، وتتلاشى كثير من مساوئ المجتمع الناشئة من مماحكات التشفي ، والمؤامرات التعبوية الناتجة عن زخم العصبيات السادرة في طبائعها التي لا تنفك عنها .

ولعل هذه “المنظومات غير المنتظمة” ستكون سمة الزمن القادم، لمزيتها المتوافقة وأمزجة الجيل القادم، والمنسجمة والعولمة المعاصرة ذات التشكلات المتعددة .

وفي هذا بشارة لمن يتلقى المستقبل بتدابير استباقية طواعية من عند نفسه وعصبيته التابع لها ، كأن تتخلى العصبيات بشتى تنوعاتها وتشكلاتها ، عن المحددات السابقة ، وأن تغير في مناراتها قبل أن تمور بها مكوناتها ، ويند عنها مريدوها ، ويتخذوا لهم من دونهم شرعة ومنهاجًا .

وفيه بشارة لمن لم يكن ضمن عصبية سببية قائمة ، بأن المستقبل غير الماضي ، وأن الذين لم يختاروا التحول مختارين بكل موجبات أوعية الزمان والمكان والحال ، فإن التحول سيجعل من تيجان رؤوسهم ، حذوات للخيول القادمة .

خالد بن سفير القرشي 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى