د. موسى آل هجاد الزهراني

بين الشِّعر والشَّعير!

  نحن في زمن العجائب حقاً، وكل يومٍ ترى فيه ما يُذهب عقل أعقل العقلاء!. عندما اختلف الأدباء فيما مضى أيهما أشعرُ أبو الطيب المتنبي أم البُحتري؛ دارت معارك على صفحات الصحف، وكلٌ يُحبّذ ما اختار، وكان الكلامُ في أعلى درجات الرقي والبلاغة والفصاحة.

واليوم.. وبعد أن قلنا إنّ الله تعالى عافانا من موجة الشعر الذي يسمونه زوراً وبُهتاناً الشِّعرَ الحرَّ؛ يخرج علينا فجأةً من لا يُفرّق بين الشِّعر والشعير؛  الشِّعر الذي يتذوقه أبناءُ أبينا آدم؛ والشعير الذي خلقه الله تعالى قوتاً لغيرنا!.

وهو مع ذلك لا يستحيي، ولا يحمرُّ وجهه، ولا يخجل، بل يتفاصح، ويضغط على مخارج الحروف في إلقائه لكي يُقنعنا أننا فعلاً مجانين، وأنه متنبي زمانه!، والطامة الكبرى أن له سوقاً رائجةً، ومصفقين في ذهولٍ إعجاباً بما يسمعون.

ما رأيكم لو سمعتم مني بعض أبياتٍ على هذا النسق الجميل؟، فليس ذلك الشاعر بأفضل مني!:

أنتِ أيتها الشمس المشرقة..

 أنتِ فعلاً شمسٌ مشرقة..

 منذ أن خلق الله الوجود وأنتِ تشرقين كل يوم!..

وأنت أيها القمر المضيء، يا من تضيء الكون بضيائك، ولا غنى لنا عن ضيائك!..

***

انتبهوا.. هذه دعابة فقط، وليست من شعري، لكن بالله عليكم ألا تعتقدون أنني أستخف بكم وبعقولكم بهذا الهراء؟ فلماذا إذن نرغب عن احترام عقولنا، ونُسلمها إلى من يتعامل معها كمن يُقدم الشعير لغير البشر!.

لو كان أبو الطيب بيننا اليوم لقال عنه:

وإذا أشار محدثاً فكأنه

 قِردٌ يقهقه أو عجوزٌ تلطِم!

وتراهُ أصغرَ ما تراهُ، ناطقاً

 ويكون، أكذب ما يكونُ، ويُقِسمُ!

ولربما قال أيضاً:

بِأَيِّ لَفظٍ تَقولُ الشِعرَ زِعنِفَةٌ

تَجوزُ عِندَكَ لا عُربٌ وَلا عَجَمُ؟!

وإذا قلنا إننا نعتبر أن قصائدك تجعل الباكياتِ على موتاهنَّ ضاحكاتٍ ملأَ أشداقهنَّ، وهُنّ في الحداد؛ استسخافاً لهذه الأبيات الباردات، فإنك أحقُّ ببيت أبي الطيب:

وَمِثْلُكَ يُؤتَى مِنْ بِلادٍ بَعيدَةٍ

ليُضْحِكَ رَبّاتِ الحِدادِ البَوَاكِيَا!!

الذي يؤلم في موضوعك أيها الشاعر الغرُّ، أنّ في علم المنطق أموراً تُسمى المدركات العقلية، ومنها: الجهل المركب، فما معناه؟ قالوا: معناه أن يجهل، ويجهل أنه يجهل! أعذرني لكن هذه عبارات المناطقة!.

هو يقولون_ قبحهم الله-!: إن المرء قد يجهل قدر نفسه، ويجهل قدر غيره لأنه جاهلٌ بأنه جاهلٌ، فلذا لا مانع عنده أن يُلقي قصيدةً مفككةً بين يدي عُظماء، لو صيغت لهم قصائد من ذهب لما كان ذلك كافياً. أفتظنُّ الناسُ لا يفهمون ؟!.

قال صاحبي أبو الطيب:

ومَنْ جَهِلَتْ نَفْسُهُ قَدْرَهُ

رَأى غَيرُهُ مِنْهُ مَا لا يَرَى!

 

وما أكثر الورم الذي يظنه الناسُ شحماً، وهو ورمٌ لا خير فيه، ولوكان أبو الطيب بيننا أيضاً لنصح الذين ابتلاهم الله بسماع شِعرك بقوله:

أُعِيذُها نَظَراتٍ مِنْكَ صادِقَةً

أن تحسَبَ الشّحمَ فيمن شحمهُ وَرَمُ!

 

وخزة سهم:

إن رأيت ابتسامة من وجوهٍ أمامك فلا تظنها إعجاباً بما قلت، بل احذر غاية الحذر:

إذا رَأيْتَ نُيُوبَ اللّيْثِ بارِزَةً

فَلا تَظُنّنّ أنّ اللّيْثَ يَبْتَسِمُ

إلى اللقاء.

د. موسى آل هجاد الزهراني

مقالات ذات صلة

‫5 تعليقات

  1. لا فض فوك أيها الجواد الأغر
    فعلًا عش رجبًا ترى عجبًا
    لا يروق لي في هذا الزمن إلّا شعر عيسى جرابا
    أو فواز اللعبون على مستوى الفصيح أمّا العامي فهم كثر

  2. اعتقد ان هناك شيء من المبالغه في النقد… من الواضح انه يكتب إلى جمهور يحبون ذلك منه ويتذوقونه… وليس بالضروره أن يكون كل شعراء العرب على نمط المتنبي أو البحتري.. والا لضاعت سنة التجديد والإبداع… فجميع الفنون ومن ضمنها الشعر يمكن تشكيلها في عدة قوالب فنيه كأتجاهات أو مدارس تهدف لأرضاء جميع الأذواق.

  3. لا فض فوك أستاذي الفاضل
    قد يگون استخفافاً بالمتلقي وقد يكون استخفافاً من المتلقي
    لأن أمثال هؤلاء لو لم يجدوا من يصفق لهم لما استمرروا على ماهم عليه

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى