جاءني مُغضباً ثائراً وقال لي :
في وقت مضى منذ سنوات.. كنا نُدمن سماعَ (أشرطةٍ) لبعض الذين تصدروا المشهد يومئذ، وكنا غالباً نعتقد صواب كل ما فيها ونجعلها حجة بالغة نجادل بها ونتحمس للدفاع عنها، وقد صاغت تلك الأشرطة شخصياتنا الصغيرة كما يريد أصحابها لا كما تريد لنا طبيعتنا الصغيرة البريئة.. فكأننا نعيش ازدواجية عجيبة بين ما نسمع ونتقمصه وما عليه سجيتنا وطبعنا.
وبعد سنوات.. خَفتَتْ فيها تلك الأصوات، وتبدل الخطاب الذي كان أصحابه يملؤون به رؤوسنا وتبدلوا هم.. وقعنا في ورطة عظيمة!
ما الصواب في كلامهم؟ أهو الذي تربينا عليه في تلك (الأشرطة)؟ أم كلامهم اليوم؟ وما الذي يصلح من كلامهم الماضي لكي نبقيه في أذهاننا وما الذي يجب علينا أن ننتزعه ونلقي به في الصحراء؟.
أصبحنا كالذي انتثر منه السكر على الأرض.. ويريد التقاط حبات السكر ويخشى أن تعلق بها حبات الرمل التي كثير منها يشبه حبات السكر!! حيرة تقطع القلب!
ما كان محرما يوجب القطيعة فيما مضى أصبح فعله اليوم من الواجبات!
وما كان مجمعا على تحريمه كما علمونا اكتشفنا اليوم أنه مما اختلفوا فيه!
وما كان مما يندرج تحت الولاء والبراء صار اليوم لا يعدوا كونه من وجهات النظر والخلاف السائغ!
إن المشكلة تكمن في أنّ أولئك القوم لم يبينوا لنا ماذا نأخذ من ماضيهم وماذا ندع؟ ولم لا يعتذروا عن بعض ما مضى ؟.
أحدهم كان يقول : إن الذي يُركب الدّش على سطح بيته ديوث!! واليوم لا تكاد تُحصي عدد برامجه التي نراها في هذا الدش! فهل نُسخ الحكمُ الماضي أم أننا لا قدر الله لم نزل كما قال؟!
فيما مضى كان السمت والمظهر هو مقياس التدين حتى لو كان صاحبه لا يصلي، فانقسم الناس إلى ملتزمٍ وغير ملتزم؛ بناء على هذا المقياس، وكلما زادت مظاهر الدروشة كان ذلك أدعى لوصف صاحبها بالزهد!.
كنا نسمع ونحضر محاضراتٍ عن (فقه الخلاف) لكن ذلك لا يخرج عن الطرح النظري، أما في الواقع فغالباً تجد أوَّل من يخالف هذا الفقه هو الذي ألقى المحاضرة!.
فيما مضى ظهر مصطلح ( الحزبية) وخرج علينا من يؤلف في ذمها ومقتها، وسبها، ولعن أصحابها، ثم نكتشف أنه هو نفسه يتزعم حزباً شق صفَّ المسلمين، فصنفهم إلى فاسقٍ، ومبتدعٍ، وكافرٍ، وخبيث النية، وخارجٍ على ولي الأمر، وفاسد العقيدة، بمجرد هواه هو، وكأن تلك الأحكام ثيابٌ جاهزة قام هو بتفصيلها وإلباسها من يريد لا من يستحق، فأين (فقه الخلاف)؟!.
فيما مضى كان الرجل الطاعن في السنِّ يستيقظ في منتصف الليل في شدة البرد ليصلي لله، ولا يكاد يؤذن المؤذن إلاّ وهو واقفٌ في الصف الأول في المسجد.. ثم يجده أحد الصغار الأغرار الذين أطلق على نفسه لقب (ملتزم) فيعطيه درساً في الأخلاق والتدين، وينكر عليه كلَّ شيءٍ، في حين يكون هذا الغِرُّ الصغير لا يُتقِنُ من التدين إلا ثوباً قصيراً وشَعراً بدأ ينبت على خديه لينال به (الالتزام).. فإذا ما سألته عن علمه أين تعلمه ؟ قال: سمعتُ (أشرطةَ) فلانٍ كُلَّها !!.
فيما مضى كانت القلوب تحتضن بعضها، واليوم تتنافر وتتقاتل بسم الله .
وأنت ما رأيك؟!
قلتُ: الرأي رأيك!
د. موسى آل هجاد الزهراني
أثبت يادكتور أنك مكسب لصحيفة مكة ومثلك يستحق المتابعة استمر وفقك الله
مشروع حياة كأن لدى البعض…في زمن التناقضات
كأنك تقصد جيل الصحوة ، وما أنت عن وصفهم ببعيد
لا نعمم ولكن من كان يشرع ويفتي ويتجاوز كانت أعين الدولة عليه فعُمِلَ له “فركة ودن”-كما يقال – فثاب إلى رشده وعاد إليه المسلوب من وقته
ليست الحيرة ماتقطع القلب استاذي فقد أدرگنا بعد أن گبرنآ وتلقينآ العلم الصحيح وأستطعنا أن نميز بين الخطأ والصواب، بل إن ما يقطع القلب فعلاً تذگر علاقاتٍ قطعت بسبب ذلك التزمت والفهم الخاطئ للدين خاصةً وأن منهم من رحل عن هذه الحياة ومنهم من لآ نعرف لوصله طريق!
بل وأيضاً نظرات بعضهم لنا الآن على أنه قد إنقلب حالنا فتقراء في أعينهم ” وين الدين والمطوعه!”
ديننا دينُ يسرٍ، دينٌ هينٌ لين، دينُ رحمة، دينٌ تميزه المعاملة الحسنة فمن أوحى مظهره بالدين وساءت أخلاقه فهو أبعد مايكون عنه…و ياليتهم يفهمون!