قد لا يعلم الكثيرون أننا نتغير على مدار الساعة، بل في الثانية الواحدة هذا على مستوى التغيير الجسدي، فنحن في هذه اللحظة غير نحن قبل قراءة هذه السطور القليلة ومن يظن أنه ذاته سبح في البحر مرتين أخطأ إدراكًا لهذه المقولة..
هذا تغيير جسدي مستمر غير منقطع على مدار الثانية وأجزائها فهل يواكب هذا التغيير الجسدي تغييرًا فكريًّا ؟ يجب أن يتلازم هذا وذاك، فلا ننسى أننا نتغير أيضًا فكريًّا، غالبًا ينضج الإنسان مع مرور الزمن متأثرًا بالعلوم والمعارف والتجارب الجديدة والخبرات والمهارات المكتسبة..
فالإنسان يتغير إذن بوجهيه المادي والفكري ولكن هذا التغيير أحيانًا قد لا يرافقه مواكبة عملية من الشخص ذاته ليتلائم هو مع التغييرات التي تتقدم، فيبقى كما هو غير مستوعب لهذه التغييرات وهو ما ينعكس عليه سلبًا، فيبقى في محطته عمليًّا دون أن يتحرك للأمام إلى محطات متقدمة بينما كل مافيه وحوله يتغير. فالوعي بهذا التغير المستمر يجعلنا بحاجة دائمًا لخطط جديدة، توظف فيها كل هذه التغييرات لصالحه والتي غالبًا هي إيجابية علمًا وخبرة..
ثم إنه بإدراك ووعي هذا التغيير المستمر وأن هذه العملية، أي عملية التغيير هي عملية حتمية لايمكن إيقافها فهي تلازم الزمن، فبالمواكبة يسهل على الإنسان استثمار التغيير وأيضًا قبوله يساعده ليتوافق مع بعض في كل مرحلة جديدة لينتج الإنسان أفضل ما لديه كحاصل لهذا التوافق..
فالإنسان العاقل يغيرّ كثيرًا من مفاهيمه للحياة ولمفرداتها مع الزمن؛ بل قد يتعدى ذلك أن يعدل على هواياته ورغباته وطموحاته وأهدافه؛ بل أكثر من ذلك ليتناول بعض مبادئه تماشيًّا مع مراحل عمره الجديدة؛ ليكون أكثر مرونة وكفاءة وإيجابية واستثمارًا لكل هذه المتغيرات التي تحصل عليه ومن حوله.
لابد أن نؤكد أن الوعي بالتغيير والذي هو أمر واقع وتدريب الذات المستمر على قبول هذا التغيير أيضًا كأمر واقع يحتم علينا إيجاد طرق سليمة لمواكبة كل ما يتغير، هذا يفرز بلا شك نتائج إيجابية على المستوى الفكري والعملي، حيث إن هذا الوعي والإدراك لكل تغيير ينقلنا من طور إلى طور بوعي أعمق وسلاسة أكثر..
وهنا تأتي الفائدة من التدريب والتكرار على كل ما هو جديد والذي بدوره يروض النفس على الجديد ليواكبه ويجعلنا أكثر مرونة لتقبل أي تغيير يواجهنا.. إدراك التغيير الذي يحصل علينا مع مرور الزمن ومواكبته بوعي يجنبنا أيضًا ضرورة أو قسوة التغييرات والمنعطفات الإجبارية في طريق الحياة التي لابد منها، لتفادي أي مخاطر غير محسوبة .. فسنة الله هي التغيير الدائم والمستمر فما علينا إلا أن نعمل على تغيير أنفسنا أيضًا لنواكب أي تغيير.
تخيل طبيبًا لا يطور نفسه، تخيل مهندسًا لا يطور نفسه، تاجرًا لا يطور نفسه، حلّاقًا لا يطور نفسه..إلخ، سيجد هؤلاء جميعًا أنفسهم متردين في أعمالهم متخلفين في جماليتها..! فالتغيير ومواكبته أمر غاية في الأهمية للحفاظ على الموجود وتطويره للأفضل.. التغيير ومواكبته يجعل الحياة أكثر حركية فيها تحديات جديدة وتخلص إلى نتائج جديدة أيضًا..
يقول أينشتاين : ” إذا فعلت ما اعتدت فعله في الماضي، سوف تحصل على نفس نتائج ما حصلت عليه في الماضي”.. ونقول بل أسوأ مما اعتدت الحصول عليه إن لم يتم تحديث مستمر ولو جزئي. تطوير الذات يبدأ بالتخلص أولًا بتشخيص العيوب والتخلص منها تباعًا وبشكل دوري يتماشى مع سنة الحياة وسنة التغيير المستمرة, وهنا لابد أن تدوّن هذه العيوب وتحاول إيجاد حل لها والتمرس على ممارسة حياة جديدة بدونها بالتدريب وهذا ممكن. كما أنه يمكن أيضًا التدرب على عادات وطباع جديدة إيجابية، بل التدرب على حلول فكرية وسلوكية لما نحن عليه توافق التغيير الذي يحصل علينا دائمًا وهو شبه يومي..
هذا كله يتم بسلاسة إذا ما وعينا أننا نتغير وأننا بحاجة لأن نواكب هذا التغير في ذواتنا وفي محيطنا، وتعتبر هذه هي بمثابة المحاسبة اليومية والأسبوعية والشهرية والدورية لسلوكنا وتفاعلنا مع معطيات الحياة التي بين أيدينا والتي نتعرض لها. اجعل التغيير فكرة مركزية تنطلق منها غالبًا بعد الجلوس مع الذات لتقييم المراحل السابقة ووضع تصور لمراحل قادمة. غير ذاتك بطواعية لتجعلها مواكبة لأي تغيير معتمدة على قدراتها وجديد خبراتها، قبل أن تجبرك الحياة على تغيير قد لا يكون مناسبًا لك، أو أن يجعلك الزمن عصيًّا على التغيير بعد أن استعصيت عليه، فبقيت كالصوان في مكانك طيلة عمرك، ولدت ومت كما أنت دون أي تغيير ودون أي تأثير.. فمن لا يتغير أو لا يتأثر أولا يؤثر..!
جميل احترامي..
د.محمد خيري آل مرشد