المتمعن في زيارة خادم الحرمين الشريفين للخليج، والتي بدأت بدولة الإمارات فالجميع يدرك أبعادها الهامة ناهيك عن الساسة والنخب فإلى جانب أن للزيارة حالة احتفالية تعكس مدى التواشج والتلاحم وتزيد وثوقًا لعُرى العلاقة بين أبناء الخليج قادةً وشعوبًا والتي قد سطع وميضها بارقًا في سماء أبو ظبي، وسيشع في كل خليجنا العربي وكونها تتسم بروح المحبة والتواصل فهي الأخرى مقرونة بالرؤية للمرحلة الآنية والمستقبلية في آن, فالناظر بتمعن يدرك أن للزيارة معطى سياسي تتطلبه المرحلة فعاصفة الحزم التي طالما انتظرها العالم الإسلامي وكذا الساعين للأمن والسلم الدوليين في العالم وبكل منظماته وهيئاته. نعم كان ينتظر هذا الردع الحازم؛ ليحد من عبثية إيران في هذه المنطقة الحيوية من العالم والتي تعد مصدرًا للطاقة إلى جانب أنها الشريان الرابط بين القارات؛ نظرًا لتوسط موقعًا وأعني بذلك ممرات المياه.
إن إيران غالبًا ما تسعى إلى نشب أظفارها في خاصرة الخليج من خلال توظيف عملاء بدوافع غير منطقية ولا موضوعية، وبث روح الكراهية بين شعوب المنطقة وتوظيف طائفية بغيضة وفق معتقدات ولاية الفقيه، وأدلجة الشعوب من خلال الحوزات العلمية في قم وغيرها عبر منابر الملالي على امتداد الإعلام وبوجهيه التقليدي والجديد وما استمرار الحرب في سوريا إلا جراء هذا المد الظالم حتى غدت لا تكتفي إلا بحرق الوجود وتدميره، وشواهد المكان تُنبئ عن طغيان حاقد فأصبحت متوالياتها رمادًا تذروه الرياح (ولا حول ولا قوة إلا بالله). وهكذا هم متأهبون لغدر الحياة, والعالم بات يعرف اعتداءات إيران المباشرة وغير المباشرة وهذه العبثية ليس على منطقة الخليج فحسب، وإنما ببث الفوضى والانقسامات في العالم لأهداف توسعية وهيمنة لا منطق لها ولا يقرها عقل يدرك حقائق هذا الوجود؛ فإيران تسعى لاهثة في محاولة جادة لانقسام الحياة الاجتماعية في منطقة الخليج، ولكن هيهات فالإنسان الخليجي واعٍ لذلك وأدرك المخاطر والتف حول قيادته، والآن يسعى لتجسير العلاقة بقوة تختلف عن ذي قبل لترقى حد الاتحاد وهكذا ارتضت وارتقت شعوب المنطقة، وستظل إيران واهمة تسعى خلف السراب.
وفي الجانب الآخر للزيارة الميمونة معطى ثقافي, فمن هذا الجانب يعد الشرق الأوسط برمته قلبًا نابضًا وحيويًّا على مر العصور، وكان انبثاقًا للمعارف التي شملت جميع نواحي الحياة عبر تلاقح الحضارات؛ فهذا الموقع شكل جغرافية غاية في الأهمية كمهد لكل حضارة سابقة وبعد ذلك جاءت فترة الأنبياء والرسل، فالموقع الجغرافي هو صاحب الإرث الديني ورسالات السماء التي أخرجت الناس من الظلمات إلى النور، فهذه هي الحقيقة التاريخية إذ لا يمكن أن تقدم أي دراسات عن الحضارات السابقة دون الوقوف على هذه البقعة من العالم ولا يمكن أن يتسامى الإنسان بنفسه دون أن ينهل من مناهل تلك البقاع؛ ولهذا البعد الثقافي قد تقاطر الكثير من المستشرقين من أوائل القرن العشرين للدراسة والبحث والتنقيب، وقد اعتنى المستشرق أيما عناية وبأدق التفاصيل سواء أكان ذلك حول جغرافية المكان وبأبعادها المختلفة أو البحث عن خصوصية وحياة الإنسان بأنساقها المتعددة سواء كان ذلك في اللباس والأزياء وكل المرئيات البصرية في الحياة اليومية التي تكشف عن حياة العربي الأصيل؛ وخصوصًا في منطقة الخليج وذاك هو من أدهش العالم الغربي فخصوصية إنسان الخليج لم تكن وليدة اللحظة بل هي غائرة في عمق الزمن والتاريخ؛ ولهذا تتضح الرغبة بجلاء من دول الخليج أن تستمر هذه الخصوصية وأن تنفتح بوعي راشد على العالم، ويشعِرنا ذلك نحن شعوب المنطقة لنكون أكثر مسئولية تجاه وجودنا على اعتبار أن تنمية الإنسان والوصول إلى مستقبل زاهر مستدام هو من خلال قوة فاعلة على اختلاف هذا المفهوم فكريًّا وأمنيًّا واقتصاديًّا وسياسيًّا ويتوج ذلك بخصوصية إنسانه. ولهذا أجدها فرصة للدعوة حول إنشاء مراكز بحث متقدمة تعنى بدراسة الإنثروبولوجيا على اعتبار أن الربط بين الماضي والحاضر هو تعزيز لقوة المستقبل، وكذلك توسيع طاقة جامعة الخليج بالبحرين من الناحية الاستيعابية والتخصصية وفق مقاييس عالمية، وخصوصًا في جوانب العلوم الإنسانية والاجتماعية بأبعادها المختلفة والمتعددة كون منطقة الخليج حظيت بالاهتمام في الدراسات من جهات خارجية والخليج له خصوصيته، لاسيما في الأبعاد الفكرية والتربوية ويشكل كتلة مترابطة من الناحية الثقافية والاجتماعية، ولكي تستمر فنحن شعوب المنطقة نتطلع دائمًا إلى الأفضل وبالأخص في الجوانب العرفية الأكاديمية في ظل قياداتنا الحكيمة -وفقها الله-.
عوضة بن علي الدوسي
ماجستير في الأدب والنقد