سهامٌ ناعمة
بعد سنوات من الأحلام والرؤى؛ أحلام اليقظة والمنام، تأتي الساعة التي كان ينتظرها ليفسر أحلامه فتصبح واقعاً. ويتزوج، ويبذل دم قلبه، وينفق أمواله، ويضع على ظهره أمثال الجبال من الديون؛ لكي يتزوج!.
تبدأ المشكلات من أول أسبوع، تذهب السكرة، وتأتي الفكرة، وتلك الأحلام الوردية أصبحت أضغاث أحلام وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين!.
يذهب إلى عمله وهي نائمة، ويعود من عمله وهي نائمة. يبحث عن دفءٍ وعاطفةٍ في بيتٍ طالما تخيله مكاناً آمناً للدفءِ والعاطفة فلا يجد. تستيقظ من نومها وتمكث ساعاتٍ على السرير تستعرض ما فاتها من رسائل، وصور، ومكالمات، وتغيب عن الوعي في استعراضها ذلك.. حتى إذا اقتربت الشمس من غروبها قامت تجرُّ أذيالها لتأمر وتنهى، وتنتقد، وتطلب الأكل والشرب أن يؤتى به من خارج البيت.. وهو يكظم غيظه لعلَّ وعسى!.
قرر مرة أن يصارحها بما يجد في نفسه فصارحها، فجُنَّ جنونها وقالت:( ما تعودتْ إلاّ كذا!) ، سكت هو لعلَّ وعسى.
في نهاية الشهر تقوم القيامة، هي تريدُ مصروفاً لا يتقاضاه وزيرٌ، وهو يضع من راتبه ما يأمل أن يقضي به دين هذا الزواج المنكوب!.. وهي تريد أن تعيش كما يعيش تجار الحروب، الذين غاياتُهم تبررُ وسائلهم، وهو يقول:( أريد منك أن تساعديني على الاقتصاد لكي نسدد ديوننا ثم أعدكِ بأنْ أعوضك عن هذا كله)، فترد عليه: ( ما تعودت على مثل هذي العيشة!).
تطالبه في كل مرة يدخلُ فيها بيته أن تسمع منه كلمات الحب والغرام والغزل، وأنك منذ أن تزوجنا تغيرت عليَّ، وأنك وأنك…وهو يضيق صدره ولا ينطلق لسانه، فإذا أدركته الشجاعةُ وقال لها:( وأنتِ.. لماذا لا أسمع منك كلمات الحب والغرام والغزل؟ أم أنه حلالٌ لك، حرامٌ عليَّ؟!) قالت : (ما تعودت! المفروض أنت الذي تقول!).
فيعود إلى نفسه لكي يلعنها ويلعن حظه التعيس! ويفكر؛ هل يكويها بطلاقٍ وهو قد أنفق مالَه كُلَّه، وزيادةٌ عليه ديونٌ تحملها من أجلها؟ أم يكويها بامرأةٍ أخرى وهي مُغامرةٌ غير مضمونة النتائج، فقد يهربُ من(لظى) فيصطلي (بسقر)! وكلها في (جهنم)؟!.
أم يشكوها إلى أهلها، وهو خائفٌ أن يسمع منهم: أن بنتنا ما تعودت!. فيشيب رأسه قبل أوانه، ويكلم نفسه: كيف أجعلها تتعود على الحياة الزوجية التي ينبغي أن يعرفها أبناءُ أبينا آدم وأُمّنا حواء؟!..
متى تتعود على أن تكون (آدمية) تعرف أن زوجها هو جنتُها ونارُها؟!.
متى يجلس في مجلسٍ ويتحدث مثلما يتحدث فيه بعض الأزواج عن مآثر زوجته التي ضحّتْ من أجله بنومها وما تعودتْ عليه، وأنها تودعه عند الباب إذا أراد الخروج إلى عمله بدعاءٍ وابتسامة وقُبلة، وتستقبله بخلع حذائه من رجليه، وثيابه، وتعطيه ثياب البيت المعطرة المطيبة، وتضع له طعامه الذي صنعته هي وليس الخادمة؟! متى تتعود إذا كانت تجلس معه أن تنسى (هاتفها الجوال) بعيداً عنها وتتفرغ للحديث معه هو؟!..
هو لا يدري متى تتعود!.
د. موسى آل هجاد الزهراني
لماذا تلقي اللائمة على النساء فقط