المقالات

ثقافة الإستهلاك الاقتصادي، ولذة الشراء وقوة الإدّخار!!

إن رغبة الفرد في الحصول على مصادرالسعادة لإمتلاكها، تجعله يقصد أبوابها، وجميل أن تتصف بالإيجابية.
ولكن بعضنا يجد جزءًا من سعادته في الشراء، ومتعة الامتلاك؛ فتصبح (لذةُ الشراءِ) بمجموع السلوك المتمثل في الشعور والمبادرة والاستمرار في سعادة تملّك أشياء يمكن الاستغناء عنها.

وهو موضوع على قدر من الأهمية، وجّه أنظار بعض خبراء المال والاقتصاد، والفلاسفة؛ لضبط هذه الظاهرة؛ حيث إن لها مردودًا اقتصاديًّا يَحُدُّ من تكدس موجودات لاحاجة ماسة لها، وهو أقرب إلى الاستهلاك التفاخري الذي عُرف في المجتمع الجاهلي، وذمه الخالق في قوله تعالى :(يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالا لُبَدًا)سورة البلد آية 6 راجع تفسير هذه الظاهرة في المجتمع الجاهلي لدى سامي السويلم في مقاله “المجتمع الاستهلاكي “في موقعه الشخصي، وهو قريب إلى صفة التبذير التي ذمها القرآن في أكثر من موضع .
وأضاف السويلم أن غلبت الجشع المادي لدى الشركات المنتجة؛ حيث أصبحت تسخر قدراتها لتغذية النزعة الاستهلاكية، تتخذ الدعاية والإعلان، فتُقْنع الجمهور بالسلع وحاجته لها.

ثم إن الاقتصادي ” جون كينيث جالبيرث ( John. Kenneth Galbraith). في كتابه: مجتمع الوفرة ( Affluent Society) انتقد الاندفاع نحو إنتاج السلع الاستهلاكية على حساب الخدمات العامة، وأضاف أن شركات التمويل والمصارف لها إغراءات كبيرة للجمهور بالاقتراض للكماليات ..انتهى.
إن تألق نزعة الشراء تتناسب عكسيًّا مع قوى شريان الاقتصاد للفرد والمجموع الإنساني؛ فهو يُبعثر الطاقة المادية، ويساهم في شلِّ القوى الاقتصادية.
وكم من مشروع عملاق في حياة الفرد يحتاج أموالًا يُضيّعها الهدْر !! وكم من دولة هذيلة الاقتصاد ضعيفة الدخل انتعش اقتصادها بحسن تدبير أبنائها !! فتحولت دولة ذات صناعة، وذات مركز مالي مرموق، ودعم ذلك اقتصادها.
إن (لذة الشراء) تتنافى مع قوة الاقتصاد وعظيم فوائد الادخار.
والحكمة السائدة لضابط هذه الصفة إحساس يوجده الإنسان في أعماقه ألقى عليه الشاعر القديم نظره؛ حيث يقول أبو ذؤيب الهذلي:

النفس راغبة إذا رغّبتها

وإذا تُردُّ إلى قليل تَقْنع

وحين كان الموضوع ذا وشائج للمجتمع وسلوكياته أضاف الأدب الكثير من الإبداعات، وكتب الأستاذ أحمد أمين في هذا الموضوع بعنوان ” لذة الشراء وآفة الملكية “في مجلة الرسالة العدد(٤٨) في 6/4 / 1934م، وفيها يقول: “إن لذة الشراء أصيب بها الناس جميعًا، وإن اختلفوا فيها كمًا ونوعًا إلى أن يقول : في لذة الشراء إنها”ظاهرةٌ في منتهى القوة والغرابة تتجلى في الهواةِّ، مثل هواة شراء السجاجيد القديمة، وآخرهاوي طوابع البريد وهاوي الكتب؛ تمت عندهم جميعًا لذة الشراء، يَسْتغلها أرباب المزاد؛ فيثيرونها إلى أقصى حد ..انتهى.

ويختم الكاتب والفيلسوف الجليل كلامه بقولٍ حكيم يلخص فيه لذة الشراء والامتلاك المُتكئ على الخيال فيُجملها فيقول: ” أليس عجيبًا في هذه الحياة أن ألذ شيء في الملكية خيالها”، وعن ” هوس الشراء ” إدمان كيف تنجو منه المرأة عرض الدكتور زيد الرماني عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود في مقال له على شبكة الألوكة 25/5 /2015 م مجموعة من أفكار كتابٍ ومربين وباحثين وغيرهم في موضوعه” هوس الشراء إدمانٌ كيف تنجو منه المرأة ؟” فرد بعضهم هوس الشراء إلى الاكتئاب والتوتر، وردها آخرون إلى عادة الشراء النزوي باعتباره عادة سلوكية، وعاد بها آخرون إلى طبيعة النساء، وأنه يمثل سعادة زائفة لهن، وبعضهم جعلها بسبب التعلق بالدنيا، ودعا الرماني إلى مستهلك رشيد، ينظر إلى من هم أقل منه؛ ليحتقر الدنيا ومقتنياتها . وشدد مع مجموعته ذات الرأي في هذا الموضع إلى توعية المرأة بقيمتها الحقيقة البعيدة عن مظهرها الخارجي والمبالغة بالزينة.

ووجدت فيما وجدت في بحثي عن لذة الشراء وماكتب عنها حكمةٌ جيدةٌ يضع يده عليها عالم فرنسي تعبر عن حقيقة واقعية يقول ” لاتشتري أكلًا وأنت جائع “؛ لأنك ستفرط في الشراء في مقال جيد للكاتبة (غيداء درويش ،في الرَّأيْ 17 /12/2016) في الملحق الثقافي لإصدار الاتحاد 17 ديسمبر2016.
وترجم الكاتب (سعيد بنكراد) مقالًا في الأشهاروالمجتمع للكاتب (بيرناركاتولا) وهو صاحب وكالة إعلانية يرى المؤلف ضرورة وجود مستهلك تتحدد رغباته ضمن سياق ثقافي يحكم الأفراد ويوجه نداءاتهم، فالأنا تنتقي بعيون “النحن” الاجتماعية، وأكد أن قلة المنتجات وندرتها توَّحد المستهلكين في الذوق والرغبات، وأن كثرتها تربكه وتحيره، ولكنها تتميز بفتح الذات علي آفاق التعدد والتنوع والانزياح عن المألوف والمشترك.. انتهي.
والموضوع بتفاصيله الإعلانية والثقافية وعلاقتها بالسيكولجيا للأفراد، وخدمة الاقتصاد والإنتاج جيد، ويجعل المستهلك هو المستهدف إلا أن تقوّى ثقافة الانتقاء والخيار لديه.
وأخيرًا نخلص إلى توصيات لضبط الرغبة، والحدِّ من الغريزة والمبادرة غير المقننة إلى هوس الشراء، وجنون الملكية فيما يأتي:
– نبدأ بالوعي الذاتي وضبط الاحتياج مع الدخل، في توازن يتيح مراجعة قوية لأهمية عملية الشراء وضرورتها، “فمنشأ النزعة الاستهلاكية يبدأمن البحث عن السعادة فاللجديد لذة، توهم بسعادة، “وكلما ازدادت النزعة الاستهلاكية اشتدت الحاجة في البحث عن السعادة، يشبه كثيرًا كشرب الماء المالح ” انتهى ..أحمد أمين.
يجب ألا نشغل فراغ أوقاتنا بالتسوق، وأن لايكون زيارة أماكن الشراء متنفسًا لضيقنا وبرمنا لأننا حتمًا سنزداد برمًا وضجرًا حين نفقد المال.
– أن نبتعد عن المظاهر الخادعة، وضرورة وضع الإنفاق في مكانه الحقيقي.
– ألّا نتجاوب مع عمليات الدعاية والإعلان التي تُعلي من أهمية بعض السلع قليلة الأهمية، والتي تُنددُ وتدعو إلى الدخول عالم الشراء الواسع، فالدعاية مجموعة من الوسائل “تقوم على المُتخيل والأسطوري، وتؤدي إلى استيلاب المستهلك ” بيرنار كاتولا.
– حينما نتجه إلى اقتناء متعدد أن نذكر أصحاب الاحتياج للمال والسلع التي نعب منها.
وأن نفتح في مخيلتنا أبواب منافع نحصل عليها مع الاقتصاد والادخاروحفظ القوة الشرائية.
– أن نعي تمامًا أن قوتنا الشرائية ملك ليس للوقت الحالي فقط، بل هي قوة لنا للمستقبل، ولكل احتياج ووجهة تنفيذية خاصة بنا بعد ذلك.

د٠ ليلى بابنجي
عضو سابق هيئة تدريس جامعة أم القرى

الفلسفة في الدراسات الأدبية الحديثة..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى