وسط ترقب غير مسبوق ليس على المستوى المحلي ,وإنما على المستوى الإقليمي, والدولي فقد ظلت أعين الجميع مشرئبة ,وأعناقهم ممدودة ,كل ذلك لمحاولة معرفة حجم موازنة المملكة لهذا العام 2017 ,ومن خلال هذا الترقب الذي يجذوه نوعا من التوجس لاسيما في أوساط المراقبين للشأن الاقتصادي والمالي, كون المملكة تشكل اكبر الاقتصادات على مستوى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ,ومتبوئة مقعداً ضمن مجموعة العشرين الأكبر اقتصادا في العالم ,وبالتالي فهي وجههٌ للكثير من المستثمرين, ومعنية بتعزيز الاقتصاد العالمي ,وتطويره فما هو مصير هذا الاقتصاد الذي يرى فيه البعض بداية للتراجع ,لاسيما مع المتغيرات في الساحة ولذا رأى البعض أن موازنة هذا العالم ستكون ضعيفة جدا ,وان الإعلان عنها سيكون بالأرقام فقط, دون رؤية بعيدة ,وروافع حاملة لإدارة المال العام ,بينما كانت المفاجأة التي لم يكن يتوقعها أحدا من قبل والتي كان لها بعدين .
البعد الأول: أن ما ضمنته الميزانية من أبعاد يعد تحولاً نحو الثبات والقوة فقد جاءت ملتزمة بتحقيق توازن مالي وفق خطة معده لبرنامج التحول الوطني 2020 ,ومن خلاله سيسهم مكتب ترشيد الإنفاق بخططه ,وبشكل مباشر ,إلى جانب أن الموازنة استحدثت برنامج حساب المواطن, وقد اتسمت بمعايير جديدة في الشفافية ,فقد أتيحت للجميع على الشبكة العنكبوتية من خلال نوافذ مختلفة لجهات متعددة بعد أن وضحت الكثير من المصطلحات التي لم تكن معروفة من قبل ,وهذا لاشك يسهم في رفع الوعي بالجوانب المالية لدى الجميع , ورغم التحديات القائمة سوا كانت سياسية أو اقتصادية إلا أن البرنامج المرسوم لهذه الميزانية يتجلى بتوازن مالي متفق مع البعد الثاني ,والذي يحمل في تضاعيفه الرؤية الوطنية الكبرى 2030 ,كخطة إستراتيجية بعيدة يستهدفها الاقتصاد الوطني وذلك من خلال برامج مختلفة منها تعديل سياسات سوق العمل وهذا سيترتب علية عائد اقتصادي قوي وكبير من حيث توطين رأس المال وإتاحة الفرص للسعوديين إلى جانب زيادة المقابل المالي للعمالة الوافدة على أن يتزايد كل عام ,ولكون الخطة جاءت مواكبة لكل التغيرات على اختلاف مد وجزر الاقتصاد من خلال توليد الوظائف ومكافحة البطالة بتنشيط القطاع الخاص ودعم المنشات الصغيرة والمتوسطة والكبيرة مما يظهر إعادة تدوير المال محليا الأمر الذي يُركزّ قاعدة اقتصادية متينة وقوية وخصوصا أن هناك توجه لخصخصة بعض القطاعات الحكومية كشركة الكهرباء ,وشركة المياه الوطنية ,وكذا المطارات والأندية الرياضية وغيرها من القطاعات التي تشجع في خصخصتها , ورغم أن الموازنة تأتي في مرحلة اقتصادية صعبة إلا أنها جاءت قوية وبكل بعديها .ففي بعض الجوانب توصي بالتواصل مع القطاع الخاص وهذا لاشك يقود إلى الأفضل وعلى مستقبل منظور وفي جانب أخر توفر البيانات لدراسة الاقتصاد بوجوهه المختلفة مما يعزز الاقتصاد الخاص بالشراكة مع الحكومة وبالتالي تشجيع المستثمرين بعد أن تتوفر كل البيانات اللازمة لاسيما معرفة التوصيات للأعوام القادمة وكذا توسيع دائرة المعرفة الاقتصادية في الاتجاه العلمي وكذا الإنتاجي للوصول إلى موازنة بلا عجز واقتصاد نامي كل ذلك سيوسع دائرة الاستثمار ومساحاته الآمنة . اخبرا جاءت متوجة ذلك كله بالاهتمام بالإنسان من خلال الدعم الذي لن يقتصر على السلع بل طال المواطن بطرقة مباشرة وذلك من خلال برنامج حساب الكتروني لكل مواطن ليكون تصميمه حسب دخله المالي وهذا سيشكل نقلة نوعية في الدعم كون الشرائح المستهدفة قفزت شريحتين فقد طال الدعم الشريحة المتوسطة والمنخفضة الدخل بعد أن كان الدعم لفئة ذوي الدخل المحدود ومن ليس له أي دخل مالي. كل ذلك يهدف إلى تنمية مستدام وتسعى إليه القيادة وفقها كهدف منظور لجيل اليوم وإستراتيجية لغد واعد للأجيال القامة .
عوضة بن علي الدوسي
ماجستير في الأدب والنقد