لم يكن يوم الخميس 23 ربيع الأول 1438 هجرية الموافق 22 ديسمبر 2016م يومًا اعتياديًّا في تاريخ المملكة العربية السعودية. فالجميع في أرض الوطن من مواطنين ومقيمين يترقبون جلسة الوزراء الخاصة بإعلان ميزانية النماء والعطاء الأولى بعد إعلان توجه المملكة لرؤية 2030. الكل يترقب والكل يصغي بإنصات للناطق الرسمي المخول بإعلان الميزانية. تتسابق الأفكار وتتدفق في أذهان المترقبين مابين متخوف ومتشائم ومتفائل، وكثير ممن تختلط لديهم المشاعر ولا شيء محدد يشغل بالهم.
تم إعلان الميزانية بلغة الأرقام، وتم تقدير الإيرادات والمصروفات في ظل تحديات عالمية تتمثل بتقلب أسعار النفط “السلعة الاستراتيجية لصادرات المملكة”. إلا أن اللافت في الأمر أن إعلان الموازنة جاء محققًا لإنجاز جديد تمثل في تحقيق عجز أقل من المتوقع بنسبة تقل عن 10%، وهي تفوق التقديرات الأولية. كما أنه ركز بشكل كبير على تقنين الإنفاق الحكومي وإعادة ترتيب الأولويات، والتمسك بسقف الأنفاق والحرص على عدم تجاوزه. إضافة إلى أن إعلان الميزانية جاء كذلك مطمئنًا للناس بعدد من المبادرات والبرامج التي تراعي مصالح المواطن؛ وخاصة ذوي الدخل المحدود عبر برنامج “حساب المواطن”.
ويمكن تلخيص التقنين في موازنة الدولة برفع كفاءة الإنفاق التشغيلي للدولة، والنظر في تحقيق فرص الاستدامة، وتحسين آليات إدارة أصول الدولة وتعزيز بيئة الاستثمار وإيجاد فرص شراكة بين القطاعات العامة والخاصة وغير الربحية مع إعطاء الأولوية للاستثمار في المشاريع والبرامج التنموية التي تكفل تحسين نمط الحياة اليومية للمواطن بشكل مباشر كقطاعات التعليم، والصحة، والخدمات الأمنية، والاجتماعية، والبلدية، والمياه، والصرف الصحي والكهرباء، والطرق ودعم البحث العلمي، والتعاملات الإلكترونية. وماذا بعد؟! لقد واجهت المملكة سابقًا مثل هذه التحديات ولم تؤثر تقلبات وانخفاض سعر النفط بشكل سلبي كبير على مسيرة الرخاء والنماء على المملكة وشعبها؛ فقد تمكنت بفضل من الله ثم بفضل التفاف الشعب ولحمته مع قيادته الحكيمة بتجاوز كل تلك العقبات والمضي قدمًا لخطط الإعمار وبناء المستقبل المشرق يحدوهم التفاؤل والأمل والإيمان المطلق بعون الله وفضله وكرمه وإحسانه.
ولعل هذه الظروف الخاصة مناسبة ليعيد المواطنون بمختلف شرائحهم وطبقاتهم الاجتماعية النظر في ترتيب أولويات الانفاق والصرف بتبصر وترشيد الاستهلاك، والبعد عن مظاهر الإسراف والإنفاق غير المبرر وفي غير حاجة.
كما أن التحول من مجتمع استهلاكي بالدرجة الأولى إلى مجتمع منتج ومصنع هو أحد مقومات الإصلاح الاقتصادي المستدام. وتشجيع الجامعات والكليات والمعاهد إلى الصرف على البحث العلمي، وتقنينه وتكريسه إلى إيجاد حلول مستدامة للمشاكل المحلية والتحول إلى ثقافة الاقتصاد المعرفي الذي من شأنه ليس فقط رفع معايير التصنيف الدولي للجامعات، وتحقيق مستويات أعلى من الجودة الكمية والنوعية بل ويسهم بشكل كبير كذلك بزيادة الإيرادات للدولة فيشكل رافدًا اقتصاديًّا داعمًا. أثبتت الدولة على مدى سنواتها المنصرمة ومنذ تأسيسها بأنها ماضية قدمًا بعزيمة وإصرار على طريق التقدم والنماء رغم تقلبات الأحوال والظروف وكثرة التحديات المحيطة بها.
وأثبت شعب المملكة العظيم وعلى الدوام أنه شعب يرنو بخطوات ثابتة وحثيثة؛ ليحقق المكانة التي يستحقها في صدارة العالم بتعاونه مع بعضه البعض وتفانيه في خدمة وطنه، والتفافه وتلاحمه مع قيادته الرشيدة. ولن تكون بحول الله وتوفيقه هذه الظروف الخاصة التي تعيشها المملكة اليوم عائقًا في مسيرة النماء والعطاء. فكل التوفيق لك يا وطني وكل ميزانية وأنت بخير وعافية.
د. عبير بنت عبدالرحمن برهمين
عضو المجلس البلدي بمكة المكرمة،
وأستاذ الكائنات الدقيقة المساعد بكلية الطب بجامعة أم القرى