نافذة (١)
قال ابن الاعرابي عن أبي المكَارم :
“النوافذ كلُّ سَمّ يُوصِل إلى النَّفس فرحًا أو تَرحًا..”
لسان العرب
نافذةٌ أنا على ذلك الجدار العظيم ..
وموضعي منه موضع القلب من الجسد، ولن يستقيم لأحدنا وجود دون الآخر، فلا نافذة بدون جدار، و جدارٌ بلا نافذة هو جدارٌ لا يعول عليه. و” كل مكان بلا أنثى لا يعوّل عليه”.
النافذة هي رئة المكان كما الأنثى رئة الحياة، بالطبع ليست كل امرأة تحمل هذا المعنى، ولكنها حواء التي عاشت كامل أنوثتها التي وهبها الله دون تحريف ولا تعنيف ولاتعطيل ولا تشويه ولا تزييف …
لن يستطيع الجدار أن ينكر أنه يتنفس الحياة عن طريق النافذة، بالضبط كما نتنفس الهواء بطريقة لا إرادية، حتى لو كان لا يعي كمية الأكسجين الداخلة رئتيه والمتغلغلة في كيانه والمتسللة لآخر شعيرة دموية في جسده.
ومن خلالها ينفذ إليه النور بمختلف درجاته: نور الصباح البارد الشفاف، وضوء الظهيرة الصاخب الملتهب، وإطلالة الأصيل الوادعة الساحرة تمنحه في كل مراحل النهار صورا من الأفراح المتجددة الحية فإذا المكان وكأنه ليس المكان ذاته.
جُبلت النوافذ على حبّ الزينة، ومن أجمل ما تتزين به النوافذ الستائر، وكلما كانت الستائر ضافية كانت النوافذ أكثر بذاخة وحضورا.
في حضنها تجتمع الأطيار ومراكن الأزهار البهيجة في فتنة قلما يتجاوزها مدركو الجمال وقليل ما هم.
إن معجميات النافذة من ( النون) و(الفاء) و(الذال): تشي بالكثير من روح الأنثى، وتحمل في جيناتها الصوتية أهم صفاتها الفطرية، ولن يستغني عنها جدار إلا إذا أعلن على نفسه الفناء والمحق، لتعاجله الشقوق وتنخر في أوصاله الهوام ليدركه العطب المعجل.
النون: صوت أغن خفيض،يخرج من الخيشوم. قيل إنه “يشبه صوت الغزالة إذا فقدت ولدها”. والنون وسيطة بين الشدة والرخاوة، رقيقة غير مستعلية، منفتحة غير مطبقة.
(الفاء): مهموسة يتدفق معها الهواء، منفتحة غير مطبقة، مستفلة لا تعرف الاستعلاء.
و(الذال): مجهورة رخوة، قابلة للتطويل لنفاذ الصوت. مستفلة لا مستعلية، منفتحة غير مطبقة.
تعيش النافذة كامل أنوثتها بلا استعلاء، وتزهو بكامل حضورها بانفتاحها وتجددها على تقلبات الأفكار والأحداث من حولها بلا تعنت أو انغلاق. ينفذ منها والنور والدفء بالقدر الذي تحقق فيه انتعاش الحياة. لتنفذ بكامل حضورها إلى قلب جدارها العتيد.
ورد في لسان العرب : ” قول لابن الأعرابي نقلا عن أبي المكارم يقول:
” النوافذ هي كل سَمٍّ يوصل إلى النّفس فرحًا أو ترحًا..” وعدَّدها بسَمّي الأذن والأنف والفمّ، مما قد يُظن بأنه بحصرها على اللذائذ الحسية التي تحمل إلى النفس ما يسعدها أو يشقيها من مشموم ومسموع ومذاق، ولكن المعنى أعمق من ذلك بكثير…
يقول صلى الله عليه وسلم:
“حُبِّب إلي من دنياكم الطيب والنّساء وجعلت قرة عيني في الصلاة.” يتصدر الحديث الشريف الفعل (حُبب)! فمن الذي حَبَّب إليه النساء؟! إنّه الله مصدر كل جمال. وتتوسط الأنثى هذه المحبوبات لتتموقع بين الحس والروح.
لم ينسب أكمل الخلق فعل التحبيب إلى نفسه بل نسبه إلى الله، فكأن إرادة الله اقتضت أن يكون حبه للمؤنث هو جزء من كماله صلى الله عليه وسلم. ومجيء حبه للصلاة بعدها على فارقٍ بينهما دليلٌ على أن “محبتها جزء من الكمال الروحي الذي بلغ ذروته وقمته وكماله في الصلاة “.
ما سرّ هذا الحبّ للمؤنث؟!
ضلَّ وتاه من ظن أن الحُبّ محصور في غرائز الطين. الحبّ هو هزة الروح وخفتها وسموها. الحبّ هو ذلك الشعور الذي ينفذ إلى روحك ليجعلك دائم الشغف.. هو المحرك لكل الأفراح النائية في داخلك.. لذلك صدّر الشاعر العربي الأول قصائده بالحديث عن الأنثى أو ما يتصل بها من الطلل والبيْن، وجعلها نافذته التي ندلج منها إلى شغفه. لقد كانت نوافذه فطرية تدل على فحولة جداريته وخصوبة نوافذه الخضراء المورقة على الرغم من وعورة الصحراء وجفاف جوها الحارق…
فوزية صالح الحبشي
هذا النص جميل رومانسي حالم وظفت المفردة بشكل يثير القارئ من خلال تلك النافذة نقف على الكثير من الحوافز المشهدية لأنها أنثى فتلك الأنوثة الطاغية جعلت من شرفتها إطلالة على هذا الوجود لننفذ من خلاله إلى ملكوت الله وبكل هدوء وسكينة وطمأنينة كما هو في شقيقتها التي حبها سيد الخلق وجعلت قرة عينه وفي روحانيتها تسامى بالذات نحو الخالق.
دام قلمك بألق
كنتي مبدعه بالعزف باوتار الكلمات وايصال صافي المعاني الى روح النفوس لترتوي من غذب ما سكن الفؤاد وما قوى
سلمت أناملك ❤مقال رائع وهادئ يلمس الروح …