المقالات

قالوا عني عتيج الصوف ..!

   نعم نعتني بالحرف الواحد بقوله ( أنني عتيج الصوف ) حينما أبديت له دهشتي واستهجاني كثيرا عندما أرى أحدا من أبناء الجيل الثالث للمهاجرين أو حتى الثاني في بلاد المهجر في مظاهر “صيحات ” موضة ، تحاكي ما عليه تلك المجتمعات التي يعيشون بين أكنافها..! لم تكن مرة وحيدة حين صادفت خلال أقل من أسبوعين حوالي خمس مجموعات من الشباب المهاجرين الجدد لبلاد الغرب في هذه المظاهر، هذا مؤشر خطير كيف أن جزء من  شبابنا أصبح وبسهولة يقلد الآخر ويستبدل جلده بآخر .. ما يثير الاهتمام هنا ليس تقليدا إيجابيا من حيث اتقان العمل أو ممارسته بشكل صحيح والمثابرة عليه أو ما شابه ، بل هي موضات خارجية المظهر من قبيل قصة الديك وتلوين الشعر بشكل غريب ناهيك أن ذات القصة والتسريحة غريبة جدا.. ليس فقط هذا بل التصرفات الموازية لتلك المجموعات ، أي الصراخ والفوضى ورفع أصوات الموسيقى ، بل تعدى ذلك لأحد المجموعات أنهم أرادوا لعب دور مراقبي الأمن والمرور في النقل العام..!

    تفاعلت مع مجموعتين منهم ..الأولى الشباب الذين حاولوا لعب دور المراقبين في القطار ، سبق ذلك هياص وصراخ وموسيقى مرتفعة والعالم ينظر لهم باستغراب واستهجان ؛ لكن طبيعة الناس هنا هادئة وتتحمل الكثير من هذه التصرفات الهوجاء لذا تركوهم في طيشهم يعمهون .. تقدمت إليهم بعد فترة بهدوء وألقيت عليهم السلام .. والسؤال .. كيفكم يا شباب.. كيف المدرسة.. أحوالكم..طيبين ؟ ما شاءا لله شباب مثل الورد ..حلوين ومرتبين واكيد شاطرين بالمدرسة ووو.. من أين الشباب ؟  فلسطينيين ؟ من فلسطين وهذه هي صورة دينكم و قضيتكم التي تودون أن تصل إلى العالم..؟! لا أنكر أنهم افتشلوا واستحوا وهدأوا واعتذروا وبرروا بأنهم شباب وهو يوم عطلة آخر الأسبوع ، فأرادوا أن يفرفشوا قليلا وأن يفرغوا بعض الطاقات كما قالوا..هل رأيتم شباب أهل البلد يفعلون هكذا عادة و أنتم تعيشون هنا ؟ ..لا..إذن نحن علينا أن نكون أفضل تصرفا وأجمل هدوءا ، وتعلمون أن هناك أماكن ومراكز ترفيهية ورياضية كثيرة هنا لنفض كل طاقات الشباب السلبية في هذه المدينة..! بكل الأحوال ترك الشباب القطار ونزلوا في المحطة القادمة وقد هدأوا وأظن أنهم استحوا مما صنعوا..!

     الموقف الآخر أيضا وأنا انتظر القطار وإذ ثلاث شباب في العشرينيات من أعمارهم أيضا ، أصوات عالية وضحكات أكثر ضجة وقصات شعر غريبة ..ووو…كنت مشغولا بقراءة ما بين يدي ؛ لكن أصواتهم ومنظرهم سحب انتباهي ، فلم أعد أركز فيما اقرأه.. حاولت الالتفات إليهم مرتين ثلاث عسى أن ينتبهوا و يخففوا ، إلا أنهم استمروا ، فتركت ما بيدي وتقدمت أيضا صافحتهم بابتسامة و سلام وسؤال عن الصحة والحال ووو ، ومن ثم من أين الشباب.. شباب سوريون مهاجرون للتو إلى هذه البلاد.. فدار بيننا حديثا وبعض النصائح ووو..لم تغب الصورة عن ذهني وفكرت كثيرا في شبابنا الذين يهاجرون سواء رغبة أو قسرا إلى بلاد صحيح أنها بلاد حرية ولكن أتصور أن الكثير منا يعتقد أنها بلاد فوضى أيضا ، وهذا مناف للواقع والحقيقة.. الحرية عندهم لا تعني الفوضى والشغب وتنحل الشخصيات أو الأمن.. الحرية عندهم التزام .. أدب من الآداب العامة وثقافة يتربى عليها الشباب ليمارسوها في كل مراحل حياتهم.. لا أقول أنها شعوب مثالية مطلقة ؛ لكن بالعموم لم أر من شبابهم ما يعكر صفو هدوء المجتمع كما رأيته من شباب المهاجرين ، على اختلاف قومياتهم وقاراتهم  أي ليس شبابنا فقط ..!

    وبما أنني تفاعلت مع هذه الظواهر أكثر من مرة ، ونقلت هذه الصورة لاكثر من مرة على وسائل التواصل الاجتماعي ، هادفا للفت النظر إلى بعض ما يعتري شبابنا في بلاد الغربة وفي بالي أن الأمر لن يتوقف عند قصة الشعر وتلوين التسريحة بتسريحة الديك وما شابه بل كل خوفي من الأعظم..

        لا أظن أن المجموعتين التي تكلمت معهم أنهم سيئون ، بل أعتقد أنهم شباب طيبون ؛ لكن ما الذي يجعل مثل هذا الشباب يتصرف هكذا ، وخاصة أنها تصرفات تنحى باتجاه العنف ، فالعنف يبدأ بمضايقة الآخرين هكذا ، وتشويش على المزاج العام بأي صورة.. نتمنى أن يكون شبابنا أكثر مسؤولية في الغربة خاصة ، وأن يستفيدوا مما تقدمه هذه الدول والمجتمعات من فرص وأن يعطوا أجمل صورة عن ثقافتهم التي ينحدرون منها.. وهناك الكثيرون ممن يستفيدون من ذلك فعلا..!

    وعند تخييري بين أن أكون عتيج الصوف كما يرى البعض أو أن استبدل جلدي لأصبح نسخة مقلدة مشوهة شكلا ومن يدري ربما مضمونا مستقبلا ، سأختار أن أكون عتيج الصوف ، و مودي قديم واني لا اتماشى مع ” المودة “. أي موضة اللباس والتسريحات كما فهموا.. نعم ..لا أستطيع و لا اتقبل هذه الصرخات الموضوية الحادة.. فهي بالنسبة لي كما الانعطافات الحادة في الطريق وانت تسوق في سرعة جنونية.. !هذا من ناحية المظاهر ؛ لكن أستطيع التغاضي عنها وتخطيها وتجاهلها تماما دون كثير اهتمام.. لكن وان تصدر من شباب مسلم مثل الورد ، اتصور انها تشوه شبابه وقضاياه. .وهنا موطئ غيرتي..!

مع تحيات عتيج الصوف ..!!
د.محمد خيري آل مرشد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى