أعوام تتبعها أعوام ونحن نقرأ ونسمع عن انقسام المجتمع حول هذا الحق المسلوب من المرأة دون سند شرعي، فلا يوجد في كتب الفقه على اختلاف مذاهبها ما يؤكد تحريم قيادتها، ولست بحاجة لسرد ما كفّله الإسلام من حقوق وواجبات للمرأة تصل إلى تحديد حقها المالي (بالسهم والنسبة) وحتى حقها في المعاشرة الزوجية، ولست مع أولئك الذين يمنعون قيادتها خوفًا على أعضائها الداخلية أو الخارجية.
لكن الراصد لموضوع حقوق المرأة والكتابة عنها في وسائل الإعلام على اختلاف مسمياتها، يجدها تنحصر وبقوة في المسلسل المتعدد الأجزاء قيادة المرأة، ثم حضور المناسبات الرياضية، والمُتابع للمشهد السعودي يشعر كأننا في حالة من الترف الفكري، وأن المرأة السعودية قد حصلت على كل حقوقها ولم يبقَ لها إلا تحقيق الاثنين المذكورين أعلاه.
نحن في بلاد الحرمين نلتزم بما جاء به الشرع الحنيف، وما يقره ولي الأمر والأجهزة المنظمة للحياة الاجتماعية في الدولة، وكما أن لدعاة خروجها للقيادة وحضور المناسبات الرياضية الحق في طرح ما يرونه من موضوعات، فإن لي الحق في توجيه بعض الأسئلة ذات علاقة بموضوعات الحقوق الأخرى للمرأة.
لنأخذ على سبيل المثال حقوق المرأة (المطلقة)، نشرت “عكاظ” وبتاريخ 2/12/1436هـ تقريرًا جاء فيه: “كشفت وزارة العدل عن تسجيل حوالي 240 ألف حالة طلاق خلال العام 1435هـ”، هذا الرقم (240 ألف امرأة) يتجاوز وبمراحل عدد الراغبات في القيادة في المدى القريب، استوقفني هذا الرقم ودارت في ذهني أسئلة عديدة:
أين الشخصيات الاعتبارية وكتّاب الأعمدة الصحفية الذين يدعمون قيادة المرأة من الضغط على الجهات التشريعية والتنفيذية لضمان تنفيذ أحكام حضانة المطلقة لأبنائها؟ لماذا لم تتطرق وسائل الإعلام التي تُساند حضور المرأة للمباريات إلى موضوع إنشاء قاعات خاصة لمناقشة القضايا الأسرية في المحاكم بدلًا من جلوس المرأة (المطلقة) مع المجرمين وأرباب السوابق ليشاركنها أسرار حياتها الخاصة؟ أين هم من استصدار التشريعات اللازمة لمنع الزوج أيّا كانت صفته الاعتبارية من استغلال علاقاته وسطوته لمساومتها في حق كفله لها الشرع والنظام؟ ومن اصطحاب أطفالها خارج البلاد دون علمها وموافقتها أو حتى التنسيق معها؟ ألا تستحق هذه القضايا البكاء والكتابة حولها وبشكل متكرر، كما في موضوع القيادة؟
وماذا عن التطرق لحقوق الشرائح الأخرى؟ المرأة الأم، الطالبة، الموظفة،…
لماذا يختفي صوت أنصار القيادة أمام ما نسمعه من تعسف (بعض) الجهات تجاه المرأة (الطالبة) وحرمانها من تلقي الإسعافات داخل المنشآت التعليمية إن دعت الحاجة؟ أين هم من (ظلم بعض) أولياء الأمور وتدخلهم في اختيار تخصصها الجامعي الذي ترغبه ومنعهم من تغيير ما اختارته دون موافقتها؟
لماذا لا يكتبون باستمرار عن حرمان المرأة (الأم) من حقها السنوي في مشاركة ابنها فرحته (كما يشاركه الأب) يوم تخرجه من جامعته أو كليته العسكرية، وهي فرحة لا تقارن بفرحة جلوسها على كرسي ملعب رياضي.
لماذا لا يضغطون على القطاعين الحكومي والخاص لتخفيض ساعات عمل المرأة (الزوجة) مع الإبقاء على مميزاتها المادية والمعنوية مراعاة لأمومتها وحضانة ورعاية أطفالها وشؤون بيتها، فهذا سيؤدي لتشغيل عدد أكبر من النساء وتخفيض نسبة البطالة بينهن؟
هذا غيض من فيض، أليست هذه حقوقا لها؟ لم لا نسمع ونقرأ عنها كما هو حال الأصوات المطالبة بالقيادة أو حضور المباريات؟ طالبوا بهذه الحقوق وغيرها، وشكلوا جماعات ضغط، واستصدروا البيانات من الجهات الاعتبارية، لتجهيز البنية التحتية لمؤسسات المجتمع، وتوظيف النساء في الجهات الأمنية المختصة، وإعداد القوانين الصارمة لضبط المرور وحمايتهن من المشاغبين قبل الزج بنسائنا إلى تجربة القيادة والملاعب، وكل ما سبق يتزامن مع حملة توعوية تثقيفية دينية للمجتمع.
القيادة وحضور المناسبات الرياضية حقان للمرأة ولا شك في ذلك، لكن هناك حقوق تمس حياة المرأة وكرامتها وإنسانيتها أتمنى أن تجد ذات الاهتمام والدعم.
قبل الختام
بدأت تظهر وسوم (هاشتاقات) على وسائل التواصل الاجتماعي تُطالب بإسقاط الولاية عن المرأة، هذه الوسوم يجب ألا نغفلها، لابد من تحليل ما فيها ومن يدعمها. في بداية القرن العشرين، و في دولة عربية، خرجت النساء ينددن بالاحتلال البريطاني، ويحسب لهن مشاركتهن وغيرتهن الوطنية، وفجأة وخلال تلك المظاهرات، خلعت المتظاهرات حجابهن وقمن بحرقه.
وما أشبه الليلة بالبارحة.
عبدالإله الشريف