مؤتمر البحر الأحمر الثالث لطب العيون يستضيء بأفكار الملهمين على منصة “نجاحات في الظلام”
استضافت أمسية “نجاحات في الظلام” التي أقيمت ضمن فعاليات مؤتمر البحر الأحمر الثالث لطب العيون خلال الفترة من 4 إلى 7 يناير رؤى واستراتيجيات وقصص نجاح عدد من الملهمين الاستثنائيون الذين لم تقف الإعاقة البصرية والعمى شبحاً يهدد حياتهم بل كانت ساعة إصابتهم بالعمى مرحلة هامة للانطلاق نحو خدمة الوطن كلاً في مجاله وضمن آفاق موهبته التي وهبهم الله تعالى ، لتكون هذه الأمسية الأولى من نوعها على ساحة المؤتمرات الطبية حلماً ألتقى فيه المشاركون وأكثر من (500) معاق ومعاقة بصرياً للاستماع والتأمل في هذه السير التي وأدت المستحيل وكانت إضاءة لهم ولغيرهم في عالم يكتظ بالمعوقات والصعوبات، كما استضافت الأمسية عدد من الرواد ذوي الإبداع في العمل الاجتماعي والطبي والفني والتأهيلي الذين أثروا الساحة المجتمعية والفكرية ، وكانت لهم فرصة التعليق والحضور بفكرهم للالتقاء بالملهمين وجمهورهم الذي اجتاح الأمسية ووقتها الذي استمر قرابة أربع ساعات بحضور للصحيفة.
واستضافت الأمسية من متحدثيها الأستاذ محمد توفيق بلو المدرب والملاح الجوي بالخطوط السعودية سابقاً .. والكفيف الذي عمل لمدة أربعة عشر عاماً أميناً لجمعية إبصار الأولى في وقت إنشائها سعودياً وعربياً والتي التي تخصصت في خدمة من يحملون إعاقته ، والذي حول الحلم إلى حقيقة شاقاً طريقه متسلحاً بالإرادة حتى سار إلى بر الأمان ممسك بخيط من الأمل والتفاؤل نتيجةً للخدمات التي حصل عليها، ومتطلعاً نحو أفق وحلم مشرق بعد أن أمضى أكثر من سنتين وهو يبحث عن حلٍ لمعاناته مع ضعف البصر من عيادة طبية إلى أخرى، وانقطع الأمل وكاد اليأس والإحباط أن يفتك به بسبب إحالته للتقاعد المبكر من عمله في الخطوط السعودية في 15 أكتوبر 1992م ، وما ترتب عليه من آثار سلبية ومعاناة إنسانية . خرج منها بعد ذلك بحلم جديد ، وعمل جبار فاق التوقعات ، لتتملكه ذكريات تعود به حيناً إلى الوراء عندما كان مبصراً ، وتضعه حيناً أمام الحقيقة العمياء وهي إصابته بالعمى . لتبدأ في حياته فصولاً من المعاناة التي شهدت في طياتها بطولة الإرادة ، وتحطيم اليأس ، والعمل بخطوات واثقة عنوانها النجاح ، باحثاً من خلال تلك الخطوات عن إعاقته البصرية وحقيقتها ليكتشف أنه جزء في بحر الإعاقة البصرية . يقول “بلو” : “يبقى الحلم متعلقاً بين زمن قطف ثمار الطموحات والتغلب على التحديات ، فمن المسلم به هو أن أي إنسان ذو طموحات قد يتعثر فهو مخلوق في كبد وعليه أن يحتسب لعمره وألا يترك به يوم يمر ويأتي بعده الندم، وأن يواصل مسيرته بتخطي مصاعبه ويملأ حياته بالآمال والأحلام” .
وفي ذات السياق ، كان المهندس مهند جبريل أبوديه المخترع السعودي الذي تحدى كل المعوقات ليثبت نفسه بجدارة كعالم ومخترع ، حصل على الهندسة الصناعية مع مرتبة الشرف من جامعة الملك فهد للبترول المعادن بعد تعرضه لحادث مؤسف أدى إلى بتر ساقه اليمنى وإصابته بالعمى ، إلا أن هذا الحادث زاد من عزيمته وإصراره للوصول إلى القمة .وليس ذلك فحسب بل فاجأ كل من حوله تحوله لنجم جماهيري ، وقام بتأسيس مركز اسطرلاب للتدريب ويرأس حالياً مجلس ادارتها ، وتقديم اكثر من 500 ساعة استشارية عن تنفيذ الاختراعات وتسويقها والغريب أن آخر إختراعين له قبل الحادث كانا خاصين بالمكفوفين حيث كانت إرادة الله أن يشهدها مبصراً وكفيفاً . من كلماته في هذه الأمسية ” أصبحت بعد أن فقدت بصري وساقي كالسهم أحتاج لقوة تشدني إلى الخلف لكي أنطلق بقوة إلى الأمام” ، وقال ” إن كنت فقدت إحدى ساقيّ فأنا أقف على جبل من الطموح. وإن يأخذ الله من عينيّ نورهما ففي لساني وقلبي منهما نور، إنني أتغذى على التحديات” بل إنه قد حفر على مكتبه بالفرجار مقولة: إذا سخر منك الناس فأنت في الطريق الصحيح.
أما الفوتوغرافي الكفيف محمد سعد الشاب السعودي الفاقد لنعمة البصر والذي ألغى من قاموسه كلمة مستحيل، أكد في الأمسية أنه استطاع أن يثبت للجميع أن المكفوفين ليسوا أقل كفاءة وقدرة من المبصرين، بل أن كثر منهم يمتلكون مواهب قد يفتقد لها المبصرون. حيث فاجأ الحضور باستخدام الأجهزة الذكية رغم فقدانه البصر، حيث تمنى أن يكون استعراضه ذلك بوابه للتغيير في مفاهيم المجتمع ونظرته للمكفوفين. فهو يهوى التصوير الفوتوغرافي، ويلتقط صوراً مميزة وإبداعية تبهر جميع من يراها. حيث يستخدم طبلة أذنه لتحديد المواقع والتقاط الصور المميزة ، ويقول محمد مفسراً الأمر أن الكفيف لديه حاسة سمع قوية جداً، لذلك فهو يطلب من أصدقائه التحدث أثناء التقاطه صور لهم ليستطيع معرفة مكانهم وتصويرهم. ووجه “سعد” نقداً خلال الجلسة لوسائل الإعلام التي تصور من خلال مسلسلاتها، المكفوفين وكأنهم ضعفاء وعاجزين، الأمر الذي يرسخ هذه النظرة في المجتمع بدلاً من محاولة تغيرها. لتعزيز دور المكفوفين وغرس الثقة في نفوسهم ليكونوا أفراداً فاعلين في المجتمع ويؤكد محمد سعد دوماً أن المبصرين يعانون من قصر نظر في رؤيتهم للمكفوفين، لذلك فهو يسعى دوماً لتوعية المجتمع حول المكفوفين وتغيير نظرته السلبية عنه وقد اتخذ من ذلك رسالة في حياته .
وفي جانب تأهيلي بذوي الإعاقة البصرية كان أنور النصار مشرف عام التربية الخاصة بوزارة التعليم على موعد مع ذوي الإعاقة البصرية بالذات ، منطلقاً من عينيه التي لا ترى إلا النور ، فهو لا يبصر بها إلا نجاحاً لا نراه ، وقدرة على تأهيل غيره من أصدقائه ممن يعانون هذه الإعاقة البصرية ، حملت محاضرته جانباً مهنياً وآخر تعريفياً حيث أنه كفيف مكافح بكل ما تحمله الكلمة من تجاوز للعقبات، طور عمله خدمة للمكفوفين في المملكة على مدى سنوات، اضطر إلى لبس النظارة السوداء في مرحلة المراهقة إلا أنها تحولت منذ تلك الفترة نظارة بيضاء زادت من قوته استطاع فترة ابتعاثه أن يكتشف قدراته حيث تعلم في أمريكا أنواع التقنية الصوتية، و مجموعة من الأنشطة الرياضية كرياضة التزحلق على الماء ولعبة البولنج ولعبة الجولف والطيران الشراعي ، حمل على عاتقيه تأهيل زملائه المعاقين بصرياً ، يكن لوالديه الفضل في إعادته إلى الحياة إيجابياً وتحملهم الصعاب من أجله والنقل من دولة إلى أخرى ، ولم ينكر فضل زوجته عليه فهم يؤكد أنها عامل في في اكتساب الخبرة لخدمة المكفوفين وتسخير الآثار السلبية للإعاقة البصرية فهي له بمثابة العين التي يبصر بها للحصول على المعلومة التي تساعده في تطوير مهاراته الشخصية والتي بدوره يقدمها للآخرين.
وكان الحضور على موعد مع فضيلة الشيخ محمد العريفي الذي فوجيء فعلاً بقدرات ذوي الإعاقة الواثقون بأنفسهم ، قائلاً : “جهزت ستة عشر صفحة لهذا اللقاء لكي أتحدث وأقول ، وعندما سمعت هذه القوى المستحيلة سأختصر ما أريد قوله في سبع دقائق” حيث هنأ القائمين على هذه المنصة فكرتهم في التعرف على الواقع بمنظور مختلف والتعرف على قصص الحياة الملهمة التي تعتبر جزءاً هاماً في ترسيخ ثقافة الاعتماد على النفس واستثمار الظروف القاهرة وتجاوز العقبات ، والعودة من صندوق الإعاقة إلى طريق النجاح وخدمة الدين والوطن وتشجيع جيل الشباب من الأصحاء وذوي الإعاقة على تبني روح الابتكار والإبداع في مختلف نشاطاتهم الوطنية والاجتماعية ، وقال “العريفي” لمثل هؤلاء المتميزين ولرواد وسائل التواصل الاجتماعي “كونوا بالقرب من وطنكم ومجتمعكم وأمتكم بتطويع قدراتكم لخدمتها ، والعمل على رقيها ، فالأمم لا تقام على رؤى ونجاحات أبنائها ، وكم نحن محتاجون أن نقف هذه الأيام مع بعضنا وبجانب قيادتنا بفكرنا وعقولنا وقلوبنا” وثمن العريفي لرئاسة المؤتمر البحر الأحمر الثالث لطب العيون فكرته في انعقاد هذه الأمسية المختلفة حضوراً وفكراً وضيوفاً ، منوهاً كذلك برئاسة الأمسية التي أخذت على عاتقها مثل هذه العمل الجبار الذي يعتبر نبراساً وإضاءة لذوي الإعاقة البصرية .
وفي الجانب الفني للأمسية ، حضرت الكلمة والشعر مع الشاعر زياد بن نحيت الذي ذكر قصة له قبل ثمان سنوات جمعته مع الكفيف المهندس مهند جبريل أبوديه ، وكيف أن أبوديه لم يكن معروفاً لديه ، حيث لم يكن يسمع عنه وكان مشغولاً بالشعر وسباق “البيرق” ، وفاجأ “ابن نحيت” الحضور بقصيدة جميلة وصفت لقائه ذلك مع أبودية وكيف كان شعوره عندما عرف أبوديه مخترعاً متميزاً أضاف للوطن الكثير ، واصفاً في قصيدته مدى الفائدة التي قدمها الكفيف ابودية لوطنه وأمته .
وحضرت الرؤية التدريبية وإعمال العقل والإعجاز العلمي في العين في حديث الدكتور وليد فتيحي حيث أوضح النقطة الجوهرية في حياة الملهمين وذوي التجارب الناجحة التي ولدت من رحم الإعاقة لتولد لديهم أفكار ومشاعر الرضا والتحمل والأمل والثقة وتبعد أفكار ومشاعر اليأس والانهزامية والعجز. والتوصل إلى حلول عملية وممكنة مزودة بالأمل والعزم. وأشار أن الإنسان منذ طفولته يولد مفعماً بطاقة الحياة الموجهة للنماء والتي أودعها الله الإنسان، ويتعلم الأطفال التفاؤل أو التشاؤم من خلال علاقاتهم بوالديهم خصوصاً الأم، فإما أن تتأصل الفطرة فيهم وتقوى وإما أن تنتكس وتضعف. وأبدى أسفه أن الدراسات بينت أن 70% إلى 80% مما نحدّث به أنفسنا سلبي، فما إن يبلغ الإنسان منا الثامنة عشرة من عمره حتى يكون قد تلقى حوالي 150 ألف رسالة سلبية مقابل 600 رسالة إيجابية.
ويقول “فتيحي” الذي تطرق في محاضرته إلى أهمية الإعلام ورسائله التي يعتمد عليها في إضفاء الطاقة الإيجابية والتفاؤل أو وضع الإنسان في مأزق مع نفسه : “المتفائلون تُفعل لديهم آليات التحفيز والتعزيز الذاتي مما يمدهم بالقوة والقدرة على مواجهة التحديات وتستيقظ فيهم آلية الإدراك الانتقائي، أي القدرة على رؤية الفرص وأوجه الاقتدار الذاتي والتوفيق بينهما. أما المتشائمون فإنهم يبالغون في التنكر لإيجابيات الحياة ولقدراتهم وإمكاناتهم، فتمر الفرص من أمامهم فلا يرونها لانشغالهم بالتركيز على السلبيات وأوجه القصور لديهم” وتطرق في جلسته إلى “هيلين كيلر” العمياء الصماء البكماء التي أذهلت العالم بإنجازاتها، وحققت المستحيل بنطقها بل وبتعلمها خمس لغات والحصول على الدكتوراه الجامعية والتي دائماً ما تقول “كلما أغلق باب فتح باب آخر، ولكننا نكون غالباً مشغولين بالباب الذي أغلق”.
وكان للبروفيسور محمود شاهين الأحول حضوراً من نوعه أضفى على الأمسية وعياً بمسببات العوق البصري من خلال عرض تحدث فيه عن تغيير انماط الحياة في الطعام والرياضة والحرص على صحة الجسم ، والحماية من مرض السكري وأخطار السمنة والتي غالباً ما تكون عوامل مسببة للعمى والامراض الأخرى ، مؤكداً أن المؤتمر تقدم خطوات كبيره في نوعية الموضوعات التي طرحها ، والمشكلات البصرية التي تحدث عن حلها ، والأسماء الكبيرة التي تناولت بالشرح والتفصيل قضايا طبية تختص بالعيون .
وأختتم الدكتور سعود الجهني “رئيس الأمسية” فعاليات هذه الأمسية بنقاط طبية تتعلق بالعيون وحمايتها ، منوهاً للجمهور حضورهم ، وللمتحدثين الملهمين رسائلهم الإيجابية التي بثوها في الجمهور ، ولضيوف الشرف مشاركتهم وتعليقاتهم التي بثت الإيجابية ، وأكد أن هذه الأمسية تأتي ضمن أحد أهم محاور مؤتمر البحر الاحمر الثالث لطب العيون الذي رعى افتتاح فعالياته صاحب السمو الملكي الامير مشعل بن ماجد محافظ جدة ، وهي ذات مسئولية اجتماعية استضافت النخبة من ذوي الإعاقة الواثقون ، والنخبة الملهمون . وتنوع ضيوفها من ذوي الإرادة .. قاهري الإعاقة ، الذين شاء الله عز وجل أن يهبهم نعمة العزيمة بعد أن حرموا نعمة البصر ، فأبو أن يقعوا فريسة للإحباط واليأس ، ليرفعوا راية التحدي والإصرار ، ويبنون جسوراً للتواصل والتفاعل لخدمة هذا الوطن ، وحرصت الأمسية أن يلتقي النخبة ذات الإرادة مع النخبة ذات الإبداع في لقاء انتظره الكثيرون من مستفيدي خدمات طب العيون والمهتمين ، وكشف أن هذه الأمسية ستتزامن بإذن الله مستقبلاً مع النسخ القادمة من المؤتمر بإذن الله وستتناول في كل فعالية موضوعاً جديداً ومتحدثون أثروا الساحة الوطنية والاجتماعية والفكرية . وفي ختام الأمسية التي أدارها الإعلامي عادل بارباع ، قدم الدكتور علي الخيري رئيس المؤتمر الشكر للصحيفة على تغطيتها ، ورسالتها الإعلامية ذات المسئولية الاجتماعية والدور الذي تقوده في الوعي الطبي للمجتمع ، كما كرم ضيوف الأمسية منوهاً بالإثراء الذي قدموه ، والرسالة التي حملوها ، ومشاق السفر التي تكبدوها لكي يصلوا الى جمهورهم بقصص نجاحهم ووعيهم الذي نحتاجه كلنا كمواطنين .