المقالات

الفاردة بين التراث والجذور

ترد كلمة الفاردة في تراثنا البدوي بمعنى موكب العروس ، وموكب العروس له نكهــة خاصة ، لا سيَّما إذا كانت العروس من قرية غير قرية زوجها الذي تُزَفُّ إليه ، حيث تُزفُّ  إليه في الهودج ، وهو محمل (كرنفالي) مثل محفّة مزيّنـــــــة ومزخرفة، تتسع عادة للعروس ووصيفتها، وهي إحدى أخواتهـــا أو جاراتها أو

أو قريباتهــا . وللهودج شق تشاهد الفتاتان من خلاله أحداث العرس ( الزفّـة) ،

وهي أحداث تستحق المشاهدة لما فيها من مجريات ممتعة ومبهجة سارّة ، كالدبكة والأهازيج وحركات الرقص الموقَّـع، وضرب الدف والطبل وسباق الخيل المسمى  آنذاك بـ(الصابية) ، وآخر فاردة شاهدتها في حياتي كانت لقريب لي من قرية نَـمَـر في الستينات من القرن الماضي، تزوّج فتاة من جاسم(زواج مبادلـة ، أي كل شاب تزوّج أخت الآخر)، والتقت الفاردتان في منتصف الطريق بين القريتين وجرى هناك سباق الخيول الأصيلة ثم  ذهبت كلُّ عروس في فاردتها إلى عروسها، وعادة ما يسمّون جليسة العروس في هودجها الرويدة أو الرويكبة كما أتذكر، وتكون في أبهى زينتها مثل العروس أيضــاً (1).

هذا ما جال في خاطري ورغبت أن أبحث في جذور الفاردة، هل هي مفرد عربي فصيح وهل لها وجود في الجذور.

مما لا شكَّ فيه فالفاردة من الجذر الثلاثي (ف ر د) والفرد هو الواحد غير المتعدد

وفي العاميّـة الفصيحة، نستخدم الفرد ضدَّ الثني، ففرد القماش وثنيه (طيّـه)ضدان

فما مدى التطبيق والتوظيف اللغوي وثمرات بحثنـــا ؟؟؟

جاء في كتاب الطبقات الكبرى لابن سعد (رقم الحديث: 714)


قَالَ : أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الأَسْلَمِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنِي شَيْخٌ مِنْ أَهْلِ دُومَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ لأُكَيْدِرَ هَذَا الْكِتَابَ وَجَاءَنِي بِالْكِتَابِ فَقَرَأْتُهُ وَأَخَذْتُ مِنْهُ نُسْخَتَهُ : ” بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ، هَذَا كِتَابٌ مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ لأُكَيْدِرَ حِينَ أَجَابَ إِلَى الإِسْلامِ وَخَلَعَ الأَنْدَادَ وَالأَصْنَامَ مَعَ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ سَيْفِ اللَّهِ فِي دُومَةِ الْجَنْدَلِ وَأَكْنَافِهَا أَنَّ لَهُ الضَّاحِيَةَ مِنَ الضَّحْلِ وَالْبَوْرِ وَالْمَعَامِيَ وَأَغْفَالَ الأَرْضِ وَالْحَلْقَةَ وَالسِّلاحَ وَالْحَافِرَ وَالْحِصْنَ وَلَكُمُ الضَّامِنَةُ مِنَ النَّخْلِ وَالْمَعِينُ مِنَ الْمَعْمُورِ وَبَعْدَ الْخُمُسِ لا تُعْدَلُ سَارِحَتُكُمْ وَلا تُعَدُّ فَارِدَتُكُمْ وَلا يُحْظَرُ عَلَيْكُمُ النَّبَاتُ ، وَلا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ إِلا عُشْرُ الثَّبَاتِ ، تُقِيمُونَ الصَّلاةَ لِوَقْتِهَا وَتُؤْتُونَ الزَّكَاةَ بِحَقِّهَا ، عَلَيْكُمْ بِذَاكَ الْعَهْدِ وَالْمِيثَاقِ وَلَكُمْ بِذَلِكَ الصِّدْقُ وَالْوَفَاءُ ، شَهِدَ اللَّهُ وَمَنْ حَضَرَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ” ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ : الضَّحْلُ الْمَاءُ الْقَلِيلُ وَالْمَعَامِي الأَعْلامُ مِنَ الأَرْضِ مَا لا حَدَّ لَهُ وَالضَّامِنَةُ مَا حَمَلَ مِنَ النَّخْلِ ، وَقَوْلُهُ لا تُعْدَلُ سَارِحَتُكُمْ ، يَقُولُ : لا تُنَحَّى عَنِ الرَّعْيِ ، وَالْفَارِدَةُ مَا لا تَجِبُ فِيهِ الصَّدَقَةُ ، وَالأَغْفَالُ مَا لا يُقَالُ عَلَى حَدِّهِ مِنَ الأَرْضِ ، وَالْمَعِينُ الْمَاءُ الْجَارِي ، وَالثَّبَاتُ النَّخْلُ الْقَدِيمُ الَّذِي قَدْ ضَرَبَ عُرُوقُهُ فِي الأَرْضِ وَثَبَتَ ، قَالَ : وَكَانَتْ دُومَةُ وَأَيْلَةُ وَتَيْمَاءُ قَدْ خَافُوا النَّبِيَّ لَمَّا رَأَوْا الْعَرَبَ قَدْ أَسْلَمَتْ ، قَالَ : وَقَدِمَ يُحَنَّةُ بْنُ رُوبَةَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ مَلِكَ أَيْلَةَ ، وَأَشْفَقَ أَنْ يَبْعَثَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا بَعَثَ إِلَى أُكَيْدِرَ وَأَقْبَلَ وَمَعَهُ أَهْلُ الشَّامِ وَأَهْلُ الْيَمَنِ وَأَهْلُ الْبَحْرِ وَمِنْ جَرْبَا وَأَذْرُحَ فَأَتَوْهُ فَصَالَحَهُمْ وَقَطَعَ عَلَيْهِمْ جِزْيَةً مَعْلُومَةً وَكَتَبَ لَهُمْ كِتَابًا : ” بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ هَذَا أَمَنَةٌ مِنَ اللَّهِ وَمُحَمَّدٍ النَّبِيِّ رَسُولِ اللَّهِ لِيُحَنَّةَ بْنِ رُوبَةَ وَأَهْلِ أَيْلَةَ لِسُفُنِهِمْ وَسَيَّارَتِهِمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ لَهُمْ ذِمَّةُ اللَّهِ وَذِمَّةُ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ وَلِمَنْ كَانَ مَعَهُمْ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ وَأَهْلِ الْيَمَنِ وَأَهْلِ الْبَحْرِ ، وَمَنْ أَحْدَثَ حَدَثًا فَإِنَّهُ لا يَحُولُ مَالُهُ دُونَ نَفْسِهِ وَأَنَّهُ طَيِّبَةٌ لِمَنْ أَخَذَهُ مِنَ النَّاسِ ، وَأَنَّهُ لا يَحِلُّ أَنْ يُمْنَعُوا مَاءً يَرِدُونَهُ ، وَلا طَرِيقًا يُرِيدُونَهُ مِنْ بَرٍّ وَبَحْرٍ . هَذَا كِتَابُ جُهَيْمِ بْنِ الصَّلْتِ وَشُرَحْبِيلَ ابْنِ حَسَنَةَ بِإِذْنِ رَسُولِ اللَّهِ ” .

الفاردة كما جاء في الحديث الشريف (لا تُعَدُّ فارِدَتُكُم)؛ يعني الزائدة على الفريضة أَي لا تضم إِلى غيرها فتعد معها وتُحْسَب. وفي حديث أَبي بكر: فمنكم المُزْدَلِفُ صاحِب العِمامة الفَرْدَة؛ إِنما قيل له ذلك لأَنه كان إِذا ركب لم يَعْتَمّ معه غيرُه إِجلالاً له ، فهي تفيد التفرّد الذي لايشفعه شيء(2).

وقال الجوهري في الصحاح: الفَرْدُ: الوِتْرُ، والجمع أفْرادٌ وفُرادى على غير قياس، كأنَّه جمع فَردانَ.
وثورٌ فَرْدٌ وفارِدٌ وفَرِدٌ وفَريدٌ كلُّه بمعنى مُنفرِدٍ.


وظبيةٌ فارِدٌ: انقطعت عن القطيع؛ وكذلك السِدْرَةُ الفارِدَةُ التي انفردتْ عن سائر الِدْرِ.

وتقول العرب :

شجرة فارِدٌ وفَارِدَةٌ: متَنَحِّية؛ قال الشاعر المسيب بن علس:

نظرت إليك بعين جاريةٍ ***حوراء في ظِلِّ فاردَةٍ منَ السِّدْرِ

وظبية فاردٌ: منفردة انقطعت عن القطيع. قوله: لا بَغُلَّ فارِدَتكم؛ فسره ثعلب فقال: معناه من انفرد منكم مثل واحد أَو اثنين فأَصاب غنيمة فليردَّها على الجماعة ولا يَغُلَّها أَي لا يأْخذها وحده.
وناقة فارِدَةٌ ومِفْرادٌ: تَنْفَرِدُ في المراعي، والذكر فاردٌ لا غير .

وعلى ذلك فالفاردة استعمال وتوظيف صحيح فصيح للكلمة، من جهتين:

الأولى : العروس عادة تزف على ناقة فاردة لا نظير لها بالجمال والأصــالـة .

الثانية: موكب العرس جميعه ، متفرّد بما فيه جميل المشهد وناقة العروس التي تحمل هودجهــا تكون متفرّدةً ، أو أنَّ الناقة المعنية تمشي منفردة عن زميلاتها ، أو تبدو كذلك لما أولوها من عناية وزينة تليق بمقامها.

 

——————حاشية :

(1)فاردة السيد منوّخ سعد الدين الفلاح من قرية نمر وأخته لصهرهم الجاسمي الحلقي وأخته في الستينات .

(2)- وفي الحديث: جاءه رجل يشكو رجلاً من الأَنصار شَجَّه فقال: يا خَيْرَ مَنْ يَمْشي بِنَعْلٍ فَرْدِ، أَوْهَبَه لِنَهْدَةٍ ونَهْدِ  أَراد النعل التي هي طاق واحد ولم تُخْصَفْ طاقاً على طاق ولم تُطارَقْ، وهم يمدحون برقَّة النعال( لنتذكر قول حسن يمدح الغساسنة العرب الحورانيين:

رقاق النعال طيّب حجزاتهم *** يُحيّون بالريحان يوم السباسب.

، وإِنما يلبسها ملوكهم وساداتهم؛ أَراد: يا خير الأَكابر من العرب لأَنَّ لبس النَّعال لهم دون العجم. وهذا يشير إلى مدى تحضّر العرب وتطوّرهم بالمقارنة مع العجم، حتى قبل الإسلام .

د. محمد فتحي الحريري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى