إحتلت الصحوة الإسلامية عقل المجتمع خلال عقدين أو أكثر من الزمن، وقد أولت جانب العبادة والمظهر الأهمية الكبرى، وأهملت إلى حدٍ بعيد الحاجات المعرفية والنفسية والرغبات الجسدية، بل إنها تصادمت مع العقل الذي يفكر خارج إطارها.
في هذه الأثناء دخلت إلى البيوت القنوات التلفزيونية الفضائية المفتوحة، وأصبحت منافساً شرساً وخصماً عنيداً وخطيراً للصحوة، بعد أن عمدت هذه القنوات إلى مخاطبة غرائز مشاهديها المتزايدين يوماً بعد يوم واغرتهم ببرامجها الترفيهية التافهة.
هذا الظهور المتبرج للقنوات أصاب الدعوة والمجتمع المتدين بحالة من التشوش والإرتباك، مما أدى إلى تراخي قبضة الصحوة، بعد أن تخلى عنها جمهورها وخاصة الشباب، واتجه إلى الجانب الآخر، فتراجعت وتركت المكان.
لم يدم للقنوات الفضائية نعيمها، فقد فاجأتها ثورة النت ووسائل التواصل الإجتماعي، وزحزحتها عن موقعها، وأنهت زمن البطل الواحد الذي يفرض توجهه ورأيه جبراً من غير إعتراض، وأتاحت للجميع المشاركة في البطولة، وطرح آراءهم من غير رقيبٍ أو وسيط، وأعطتهم حرية الإختيار، بين الإشباع المعرفي، والغرائزي، والروحي، فانتقل المجتمع من وضع المتلقي السلبي إلى الفاعل والمتفاعل، وأصبح الكل قارئاً وكاتباً، ومُتابعاً ومُنتجاً لكل مايصدر من أخبار وأحداث ولقطات وصور، وأصبح أيضاً مُطّلعاً ومُعلقاً على الممنوع والمسموح، والمغلق والمفتوح، والخبر والصورة.
واندفع الجميع بكل أطيافهم إلى مركز الأحداث، بعد أن ذاقوا طعم حرية إبداء آرائهم، وإسماع أصواتهم، وتقديم أنفسهم كفاعلين ومؤثرين.
وفي هذا الفضاء المفتوح بلا حدود، سقطت أقنعة، وانكشفت حقائق، وسُرقت أفكار، وتناسلت اللقطات والصور والقصص، وضاعت الكثير من حقوق الناس الأدبية والمعنوية.
هذه الفوضى المنفلته، خلقت مناخاً مناسباً ليعمل فيه وخلاله محترفي تشكيل وهندسة الأفكار على استغلال فرصة لا وعي العقول، واختفائها وسط الركام، لهدم القديم، وإعادة بناءه، وغرس ثقافة ساذجة وسطحية، ومجردة من أي فعل إيجابي، وإنشاء عقائد جديدة، وفق رؤية ومشروع اللص الذكي.
موضوع رائع وجميل يا أستاذ محمد جبران
وفقك الله
اخوك ابو ياسر
سلمت أناملك أبا عبدالله كلام جميل يحكي واقع المجتمع الذي نعيشه.
مقال رائع شكراً لك أخي محمد